حول تناول الرضيع من الرضَّاعة في احتساب الرضعات المحرِّمة

فضيلة الشيخ حبيبنا. أختي لم تُرزق بأولاد، وقد أتت بطفلة صغيرة لديها شهرين حتى تربيها عندها.
وعلى أن تقوم بنت أخت زوجها برضاعها رضاعًا محرِّمًا فتكون أختُ هذا الزوج جدتها من الرضاع، ويكون هذا الزوج أخا جدةٍ من الرضاع فتحرم عليه الطفلة. ويخالطها عندما تكبر- إن شاء الله- بدون حرج شرعي. أليس كذلك؟
هل هذه الطفلة لو رضعت من لبن بنت أخت الزوج تلك من خلال الزجاجة (الرضَّاعة) دون التقامِ الثدي يثبت بذلك الرضاع المحرِّم؟
ولو التقمت الثدي فما هو حد الشبع في قول من قال خمس رضعات مشبعات؟ وكيف نعرفُ أن الطفلةَ قد شبَعت؟
وهل فيما سألنا فيه من خلاف؟ أو بمعنى آخر ماذا نفعل حتى نحتاط شرعًا؟
وهل يثبت الرضاع المحرِّم كما ذكرنا بدون أدنى شك شرعي؟
أرجو إفادتنا. متع الله الأمة بعلمكم وتقبل منا ومنكم، اللهم آمين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يتوقف الرضاع المحرم على الارتِضَاع؛ أي مصِّ اللبن من الثدي مباشرة، بل إذا وضع اللبن في إناء كالرضَّاعة مثلًا فإنه يتحقق به المراد في الصحيح من قولي العلماء؛ لأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم.
قال ابن قدامة رحمه الله: «قال: الشافعي: والسعوط كالرضاع، وكذلك الوَجُور»(1). ومعنى السعوط: أن يُصبَّ اللبنُ في أنفه من إناء أو غيره. والوَجُور: أن يُصبَّ في حلقه صبًّا من غير الثديِ.
واختلفت الرواية في التحريم بهما، فأصحُّ الروايتين أن التحريم يثبت بذلك، كما يثبت بالرضاع، وهو قول الشعبي والثوري، وأصحاب الرأي، وبه قال مالك في الوَجُور. والثانية: لا يثبت بهما التحريم، وهو اختيار أبي بكر، ومذهب داود، وقول عطاء الخراساني في السَّعُوط؛ لأن هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع.
ويدل على ثبوت التحريم بذلك: ما روى ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا رِضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ»(2). ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يُساويه في التحريم .
مع ملاحظة أن الرضاع المحرِّم يشترط فيه أن يكون خمسَ رضعات، وأن يكون الولدُ لم يتجاوز الحولين.
أما كيف يمكن حساب الرضاعات الخمس، أي أن تكون في خمسة أوقات متفرقة، على النحو الذي اعتاد الولد أن يكتفي فيه وأن يقضِيَ حاجته من الرضاعة؛ فإن كل مطلق في الشرع يرجع في تقديره إلى العُرف والعادة، ويعرف ذلك في الغالب بإعراضه عن الرضاعة وانصرفه عن الارتضاع أو تناول اللبن من الإناء.
قال ابن قدامة في «الكافي»: «إذا حلبت في إناء دفعةً واحدةً، أو في دفعات، ثم سقته صبيًّا في خمسة أوقات، فهو خمس رضعات، وإن سقته في وقت واحد، فهو رضعةٌ واحدة؛ لأن الاعتبار بشرب الصبي؛ فإن التحريم يثبت به، فاعتبر تفرُّقُه واجتماعه» (3). انتهى.
والاحتياط الذي سألت عنه أن يكون الارتضاع المباشر من الثدي، وأن يترك الطفل في كل مرة حتى يقضي حاجته. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) «المغني» (8/173-174).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «النكاح» باب «في رضاعة الكبير» حديث (2059) ، وضعفه الألباني في «الإرواء» (2153).

(3) «الكافي» (3/221-222).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 الرضاع, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend