بين الاختلاف والنسيان في عدد الرضعات المحرِّمات

تقدَّمت لخطبة بنت عمي منذ ما يزيد عن سنة، وتمت الخطبة بعد أن استخرتُ الله ، وكانت نِعم المخطوبة، وقد أفاض اللهُ عليَّ من نِعَمه منذ ارتبطنا، وجعل بيننا مودة ورحمة شديدين.
وكنت أعلم منذ أن كنت صغيرًا أني رضعت من جدتي لأبي مع أصغر عماتي، ولكني لم أسأل أبدًا عن ماهية هذا الرضاع، وكنا نعتقد أن ما يحرم من الرضاع هو الأم والأخت، ولم نعلم بحديث الرسول ﷺ أنه: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»(1) إلا منذ وقت قريب.
وعند سؤال جدتي وعمرها يناهز خمسًا وسبعين سنة وهي حية تُرزق وبعقلها، قالت: إن الأمر حدث منذ خمس وثلاثين سنة، وهي لا تذكره ولا تذكر كِمِّيَّتَه.
أما أمي فقالت: إنني رضعت كثيرًا من جدتي، مع العلم أن جدتي أنجبت عمتي التي رضعتُ معها بعد ولادتي بشهرين، وكان أبي وأمي يعيشان مع جدي وجدتي في نفس المنزل، وإن أمي تناولت حبوب منع الحمل بعد شهرين من ولادتي فقلَّ لبنها، ولكن أمي استمرت في إرضاعي حتى فطمتني عندما بلغت سنةً وبضعة أشهر، وهي لا تذكر أيًّا من هذه الرضعات بشكل محدد.
أما أبي فكان يعمل في مدينة أخرى، وكان يأتي إلى المنزل على فترات، وقال أني رضعت رضاعًا كثيرًا، ولكنه لم يرني أرضع سوى مرة أو مرتين، وقد تشاجر مع جدتي لإرضاعها إياي، ولم يكن يرغب منها أن ترضعني تطوعًا.
هذه كل الشهادات المتوافرة لديَّ، وأعلم أنهم صادقون فيما قالوه، وقد نقلتها كما هي وليحاسبني الله.
وقد استفتيت الأستاذ الدكتور حامد حماد أستاذ علوم الحديث بالأزهر الشريف، والذي قال: إن ما يحرم هو خمس رضعات معلومات يقينًا، وبما أن والديَّ لا يعلمان خمس رضعات بعينها رغم قولهم إنه رضاع كثير، فأفتاني بأن زواجي منها حلال.
وقد اطلعت على فتوى للشيخ آل الشيخ مفتي السعودية بنفس المضمون، وأيضًا اعتد الدكتور بحديث السيدة عائشة ل عن النبى الكريم: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْـمَجَاعَةِ»(2)، وفسَّره بأنه يجب أن يكون مطلق التغذية من الرضاع، أي أنه إذا بدأت الغذاء بأي طعام أثناء العامين فإن أي رضاع بعد ذلك لا يحرم.
وليس هناك واحد منهم يعلم متى بدأ الرضاع من جدتي، ولكن أبي قال: إني كنت أحبو وأذهب لجدتي عندما كانت تُرضع عمتي.
وأيضًا استفتيت أحد الشيوخ وقال: إن الأصل شهادة المرضعة وليس أبي وأمي.
وقد استخرت الله أكثر من مرة وفي كل مرة يحدث أمر ما، كفتوى الشيخ آل الشيخ، وفتوى الشيخ حامد حماد تضعني في حلال.
هذه المسألة كادت أن تفسد علينا حياتنا، وقد اطلعت على كتب الفقه المختلفة واختلاف الفقهاء والعلماء في هذه المسألة، فأرجو من فضيلتكم أن تفيدونا في هذه المسألة، هل هذا رضاع محرم أم لا؟ وبما أن الدين يسر، فهل لي أن أتزوجها علمًا بأن هناك مذاهب في الإسلام تحرم زواجي منها استنادًا إلى هذه الشهادات؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.

______________

(1) أخرجه البخاري في كتاب «الشهادات» باب «الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم» حديث (2645) من حديث ابن عباس.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن واقعة الرضاع ثابتة، والخلاف في عدد الرضعات، وطول المدة قد يُنسي مثل هذه التفاصيل، وما دام الزواج لم يتم بعدُ فلا يُنصح بالمضيِّ في هذا الأمر احتياطًا للفروج، واعتبارًا برأي الحنفية والمالكية الذين لا يشترطون العدد في الرضاع المحرِّم، بخلاف لو حدث هذا بعد الزواج والأبناء فإنه يُصار إلى الأخذ برأي الشافعية والحنابلة الذين يشترطون العدد في الرضاع المحرم، وذلك لاستمرار الحياة الزوجية، ودفع الفساد المترتب على انهيارها. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 الرضاع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend