الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية

استفتاء ورد من شركة «Guidance financial» حول مشروعية العقود التي يتعاقدون من خلالها مع عملائهم.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إلى الإخوة الأحباب المسئولين في شركة «Guidance financial»: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبناء على استفتائكم حول العقد الذي تبرمه شركتكم في مجال تيسير تملُّك البيوت بطريق شرعي، وبعد التشاور والنظر مع كثير من أهل العلم في هذا المجال يسرنا أن نقدم لكم ما يلي:
أولًا: مقدمة موضع اتفاق.
نتفق معكم على المقدمة التي قدمتم بها بين يدي المشروع، والتي تتمثل في ضرورة أن يكون العقد متفقًا مع الشريعة من ناحية، وأن يكون قدر الطاقة تنافسيًّا يمكنه أن يحقق مصالح أطرافه بمثل أو قريب مما تحققها العقود الربوية من ناحية أخرى، وهذا هو الظن بالشريعة وبالقائمين على تطبيقها بإذن الله.
ثانيًا: الملاحظات الواردة على العقد.
تتمثل ملاحظاتنا على العقد فيما يلي:
لا يصلح هذا العقد على النحو الذي أسفرت عنه المناقشات والمداولات أن يكون عقد مشاركة، وذلك للأسباب الآتية:
• عدم التزامكم بواجبات الشريك المقررة في الشريعة، وأبسطها المشاركة في المغارم والمغانم، فإذا بيع البيت مثلًا بسبب تعثُّر المشتري وعدم قدرته على الشراء تتخلَّون عن صفة الشريك، وترفعون أيديكم عن التبعات، وتعمدون إلى بيع البيت لاستيفاء دَينكم، وليس ما يخص نسبتكم من ثمن بيعه، وتقررون أن ما كان من ربح فهو للمشتري، وما كان من خسر فهو عليه.
• تحميل العميل وحده مبالغ التأمين والضرائب ونفقات الصيانة، وسائر المصروفات التي تفرض على البيت من قبل الجهات الرسمية، رغم أنكم شركاء في هذا البيت، وحصتكم في ملكيته تزيد على حصته عدة مرات. وليست هذه قواعد الشركة في الشريعة.
والخلاصة أنكم في حقيقة الحال تعتبرون أنفسكم دائنين له ولستم شركاء، وربما برَّر لكم ذلك ما افترضتموه من أنكم في حكم من باع حصته بالفعل إلى الطرف الآخر، وتحولت قيمة هذه الحصة إلى دين في ذمته، فرتبتم أموركم على هذا الأساس:
• فرأس مالكم الذي تمثله قيمة حصتكم ثابت من البداية، ولا علاقة له بتقلبات أسعار البيت.
• والعائد محدد من البداية، ويتم استيفاؤه مشاهرة.
• والمخاطر التي تنجم عن احتمال توقف المشتري تجنبتم تحملها من البداية، اللهم إلا إذا بيع البيت بأقل مما بقي من قيمة حصتكم، فتتحملون كما ذكرتم الفرق بين ثمن البيع وبين قيمة دينكم، وهذا قد يمكن تغطيته من خلال التأمين- على ما هو معلوم من فساد عقوده في هذه المجتمعات- الذي يتحمله المشتري على كل حال، فقد خصصت حصة من الالتزام الشهري لكي تكون في مقابلة التأمين.
• والنتيجة أنكم تخليتم عمليًّا عن صفة الشريك بتخليكم عن المشاركة في المغانم والمغارم، وبإلزام المشتري وحده الضرائب والتأمين وسائر المصروفات، وهو لا يملك من البيت إلا حصة يسيرة.
كيف يمكن تصحيح هذا العقد؟
وعلى هذا فيبقى من الاحتمالات المتصورة لتصحيح هذا العقد ما يلي:
• الأول: صيغة المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، مع الالتزام بتبعات الشركة ومقتضياتها، فأنتم شركاء في البيت بنسبة حصتكم فيه، وكل التزام يقع على البيت يلزمكم الوفاء بحصتكم منه، وإذا بيع البيت كانت لكم من ثمن بيعه ما يقابل حصتكم فيه، فإذا كان البيت بمائة ألف مثلًا، وأنتم تملكون90% ثم بيع البيت في المستقبل بتسعين ألفًا فأنتم لا تملكون إلا 90% منها، أي 81 ألفًا فقط، ويمكنكم أن تؤجروا له نصيبكم منه بعقد منفصل، ويكون ما تأخذونه كراء مقابل تأجير، وليس ربحًا مقابل بيع؛ لأنه في مقابل تأجير هذه النسبة التي تملكونها ولم تبيعوها له، على أن تلتزموا بما يلتزم به المؤجر من نفقات الصيانة ونحوها، ويمكنكم عند تقدير القيمة الإيجارية أن تضمنوها ما تريدون أن تحصلوا عليه من عائدٍ لاستثمار أموالكم، وما يتوقع من النفقات ومصروفات الصيانة، فيكون المجموع هو الإيجار، وبهذا تتفادون تكلفة إضافية لا تريدون تحملها، ثم تتفقون على المضي في إتاحة فرصة تملك البيت تدريجيًّا للمشتري، وكلما تملك جزءًا نقص مقابله من الكراء، إلى أن تئول إليه ملكية البيت بالكلية في نهاية المطاف.
• الثاني: صيغة البيع بالتقسيط، إن أردتم تثبيت مبلغكم من البداية ليكون دَينًا في ذمة المشتري، وتجنب المجازفة التي تلازم الشركة، يمكن أن يتم ذلك من خلال بيع المرابحة للواعد بالشراء، على أن تبدأ المسألة وعدًا في البداية حتى لا تقعوا في محظورِ بيع ما لا تملكون، فإذا تملكتم هذه الصفقة بِعتموها لشريككم وقسطتم ثمنها على ما تتراضون عليه من السنين، فيثبت مبلغكم دينًا في ذمته، ويدفعه مقسطًا على المدة التي تتفقون عليها، وفي هذه الحالة إذا بيع البيت بسبب التعثر في الدفع يحق لكم أن تستوفوا كل ما بقي لكم من الثمن، ولا حرج في هذه الحالة أن تأخذوا من الضمانات القانونية ما يكفل لكم حقوقكم تجاه المشتري، وقد يكون هذا في صورة رهن عيني على نفس المبيع.
ولكن يبقى محذور يرد على هذا المخرج، وهو أنه لا يحل- والحال كذلك- بيع هذا العقد على شركة «فريدي ماك»؛ لأن الأمرَ سيكون من جنس بيع الدين على غير من هو عليه، ويشترط لحله ألا يكون العوضان مما يجري بينهما الربا، وهو ما لا يتأتى في هذه الحالة؛ لأنكم ستبيعون نقدًا مؤجلًا بنقد حاضر، وإذا لم يبع العقد جازفنا بالمشروع كله، لاعتماد الشركة بالكلية على السيولة التي يقدمها «فريدي ماك»، والتي بدونها لا يتسنى لها القيام بهذا المشروع فيما يبدو من الأساس.
والمخرج من هذا أن يبرم العقد ابتداءً بين المشتري وشركة «فريدي ماك»، ويكون دور الشركة المحلية بمثابة وسيط أو وكيل أو سمسار لشركة «فريدي ماك»، وتأخذ مقابل هذه الوساطة من شركة «فريدي ماك» لا من المشتري.
وإذا كانت هناك بعض الاعتبارات العملية التي تقتضي مزيدًا من المناقشة لاقتراح صيغة أخرى أو التعديل في هذه الصيغ المقترحة فيرجى الاتصال بنا للمفاهمة حولها.
وأخيرًا: فلا يفوتنا أن نؤكد لكم شكر وتقدير إخوانكم على فكرة المشروع، وعلى حرصكم على التحري والسؤال، ونأمل أن تأخذوا هذه الملاحظات والمقترحات بعين الاعتبار، وأن توقفوا تسويق المشروع في صورته الراهنة حتى يصحح العقد ويستوفي الشرعية، كما نأمل أن تصححوا ما سبق لكم إبرامه من العقود في ظل هذه الملاحظات، وإذا طرأ لكم ما يستوجب السؤال أو الاجتماع للمناقشة وتداول الرأي فإننا حاضرون لذلك بإذن الله، ونرى أن كل توجه صادق نحو تقديم بدائل إسلامية فهو جهد مشكور يجب أن يدعم، وأن يعان عليه أصحابه، فلكم منا التحية والتقدير، وحقكم علينا النصيحة والتسديد.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend