الانتفاع بالأموال المجلوبة من بيع الخمور في بناء المساجد

الأخ الكريم الدكتور/ صلاح الصاوي، حفظه الله مِن كل ما يسوءه، وأصلح حاله في الدارين. آمين.
هل يجوز الانتفاع بالأموال المجلوبة من بيع الخمور في بناء المساجد؟
أخي الكريم، نحن أعضاء الجالية المسلمة بمنطقة الساحل الشرقي ولاية «ميريلاند» مدينة «برنسس آن».
لقد شرعنا في بناء مسجد لنا في هذه المدينة، وعندما أقدمنا على إكمال إجراءات شراء قطعة الأرض المخصصة لهذا الغرض تقدم أحد الإخوة من رجال الأعمال بالمنطقة وتبرع بشرائها لصالح المسجد.
مع العلم بأن من جملة أعمال هذا الأخ محلات لبيع الخمور. هل يجوز لنا أن نقبل منه هذا الصنيع؟
ملحوظة: لقد أجمعنا نحن أعضاء «البورد» على عدم قبول هذه الأموال، وعندما استشف رَفْضَنا سعى إلى حملنا على قبولها تحت حجة أن له حسابات بنكية منفصلة عن بعضها البعض، وأنه لن يتبرع بأموال الخمور لصالح شراء هذه الأرض.
وفقنا الله وإياك إلى ما فيه رضاه، وصلاح حال أمة الإسلام.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن بيع الخمر من المحرمات القطعية بالإجماع، والمتورط في ذلك آثم وظالم لنفسه بلا نزاع، ومن حقه على الجالية من حوله أن تنصح له وأن تُثرِّب عليه بما يحمله على الانتهاء عن ذلك، وقد يتخذ ذلك صورة إهماله، وعدم قبول صدقته، وعدم دعوته إلى المحافل العامة التي تعقد لهذا الغرض، بل قد يلزم ذلك إذا تعيَّن سبيلًا لإعلان البراءة من باطله والتأكيد على حرمته، أو خشي من ملاينته أن يتوهم أنه بقبول صدقته يرتفع عنه إثم التورط في هذه المحرمات، كما تفعل بعض الراقصات في بلاد المسلمين حيث تقيم بعض موائد الإفطار الجماعي في شهر رمضان ظنًّا منها أنها تتطهر بذلك من آثامها وأوحالها، وإن بقيت مصرة على ذلك فيما يستقبل من الزمان، أو خشي أن يتوهم بعض العامة وأشباه العامة أن له في مسلكه هذا مندوحة، أو أنه مما لا ينكر على مثله، ذلك أن للتثريب على أصحاب البدع والمعاصي مقصودًا شرعيًّا يتمثل في زجر هؤلاء العصاة والمبتدعة، وزجر العامة من التشبه بهم، وصيانة الملة أن تلتبس ببعض البدع أو المخالفات. وهذه القطيعة المعلنة لا تمنع من بقاء التواصل معه من قِبَل بعض أهل العلم قيامًا بالنصيحة الواجبة، أو قبول صدقته سرًّا مع الاستمرار في بذل هذه النصيحة له، والإبقاء على حد أدنى من تواصله مع جماعة المسلمين؛ حتى لا تحمله القطيعة العامة على الانفصال الكامل عن الجماعة.
والخلاصة أن عدم قبول صدقته من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس من جنس حرمة قبول هذه الأموال في ذاتها منه؛ لأن سبيله إلى التوبة من المال الحرام المتولد عن المكاسب الخبيثة أن يتخلص منه بتوجيهه إلى المصارف العامة، فمآل هذه الأموال عند التوبة إلى المؤسسات الإسلامية، تخلصًا من المال الحرام أو تطهرًا مما شاب كَسْبه من المآثم والمخالفات؛ فإن رجي أنه إذا قُبِل تبرعه كان أقرب إلى التوبة وأكثر التصاقًا بأهل الدين، وآنسنا منه رغبة في التطهر مما هو فيه، وأنه ليس من المكابرين أو الجاحدين، فلا حرج في قبول تبرعه مع استدامة نصيحته. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend