ما يحل وما يحرُم من اللحوم المذبوحة في الغرب؟ وما يتعين مراعاته عند الذبح من شروط وآداب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لا شك أن التذكية من الأمور الشرعية التي تخضع للكتاب والسنة، وفي مراعاة أحكامها التزامٌ بشعائر الإسلام وعلاماته التي تميز المسلم من غيره، حيث قال النبي ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْـمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ الله وَرَسُولِه»(1).
ونوجز القولَ في هذا الباب في النقاط الآتية:
أولًا: الطرق المعتبرة شرعًا في التذكية:
التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:
1- الذبح، ويتحقق بقطع الحُلقوم والمريء والودجين. وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
2- النحر، ويتحقق بالطعن في اللبة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق. وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
3- العقر، ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيدُه، والمتوحش من الحيوانات المستأنسة. فإن أدركه الصائد حيًّا وجب عليه ذبحُه أو نحره.
ثانيًا: شروط صحة التذكية:
يُشترط لصحة التذكية ما يلي:
1- أن يكون المذكي بالغًا أو مميزًا، مسلمًا أو كتابيًا (يهوديًّا أو نصرانيًّا)، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين، واللادينيين، والملحدين، والمجوس، والمرتدين، وسائر الكفار من غير الكتابيين.
2- أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتَفْرِي بحدِّها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السِّن والظُّفر.
فلا تحل المنخنقة بفعلها أو بفعل غيرها، ولا الموقوذة: وهي التي أُزهقت روحها بضربها بمثقل (حجر أو هراوة أو نحوهما)، ولا المتردية: وهي التي تموت بسقوطها من مكان عالٍ، أو بوقوعها في حفرة، ولا النطيحة: وهي التي تموت بالنطح، ولا ما أكل السبع: وهو ما افترسه شيءٌ من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد.
على أنه إذا أدرك شيئًا مما سبق حيًّا حياة مستقرة فذُّكيَ جاز أكله.
3- أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية. وفي الاكتفاء باستعمال آلة التسجيل خلافٌ بين أهل العلم، ومن ترك التسمية ناسيًا فذبيحته حلال.
ثالثًا: آداب التذكية:
للتذكية آدابٌ نبهت إليها الشريعةُ الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه:
فلا تُحد آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يُذكَّى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزءٍ من أجزائها ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.
وينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خاليًا من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغيرًا يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب الصحي فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.
رابعًا: الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان.
(أ) الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان وإحسانًا لذبحته وتقليلًا من معاناته، ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.
(ب) ومع ذلك فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها.
(ج) لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.
(د) لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية ذات الضغط المرتفع، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية، ولما تتضمنه من تعذيب الحيوان بدون مبرر، وقد كتب الله الإحسان في كل شيء، فيتعين على الذابح أن يُحسن الذِّبحة، وأن يحد شفرته، وأن يريح ذبيحته، أما الصدمة الكهربائية ذات الضغط المنخفض والتي لا تتضمن تعذيب الحيوان، ولا تفضي إلى موته فإنه يرخص فيها إذا ثبت فيها مصلحة كتخفيف آلام الحيوان عند ذبحه وتقليل مقاومته.
(هـ) لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.
خامسًا: جوازُ التذكية باستخدام الآلات الميكانيكية:
الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية المشار إليها سابقًا قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «فضل استقبال القبلة» حديث (391) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .