صيد الخنزير البري للانتفاع ببعض أجزائه أو التخلص منه، وماذا عن صيد وبيع ما يَحرُم أكلُ لحمِه لغير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم؟ أو بيع أجزاء معينة يُنتفع بها في صناعة الأدوات أو في المجال الطبي كخيوط الجراحة مثلًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا حرج في صيد الخنزير للانتفاع المشروع ببعض أجزائِه، كالجِلْد عند من قال بطهارتِه بالدباغ، أو بنية التخلُّص منه.
وأما صيده لمجرد المتعة فقد نصَّ أهلُ العلم أنه لا يجوز. قال الشيخ الدردير ممزوجًا بمتن خليل: «وحَرُمَ اصطيادُ مأكولٍ لا بنية الذكاة إلا بكخنزير مما لا يؤكل؛ فيجوز إذا كان بنيَّة قتله, وليس من العبَثِ، وأما بنيةٍ غير ذلك كحبسه أو الفُرجَةِ عليه فلا يجوز»(1).
ولا يجوز صيدُ ما يحرُم على المسلم أكلُه لبيعِه لغير المسلمين كالخنزير؛ لأن ما حرُم أكلُه حرُم ثمنُه، وقد حرَّم الله بيعَ الميتة والخمرَ والخنزير والأصنام، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْـخَمْرِ وَالْـمَيْتَةِ وَالْـخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ». فقيل: يا رسول الله، أرأيتَ شحومَ الميتة فإنها يُطْلَى بها السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بها الجلودُ، ويَسْتَصْبِحُ بها النَّاس؟ فقال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»(2).
هذا فضلًا عما يتضمَّنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2].
وقد سُئِلت اللجنةُ الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين: هل تجوزُ المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يَبيعُها لمسلم؟
فأجابت: لا يجوزُ المتاجرة فيما حرَّم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو معَ الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه»(3). ولأنه صلى الله عليه وسلم لعنَ الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها(4). والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (2/107-108).
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «بيع الميتة والأصنام» حديث (2236)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» حديث (1581).
(3) فقد أخرج أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في ثمن الخمر والميتة» حديث (3488) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا عند الركن. قال: فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ- ثَلَاثًا- إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن أبي داود» حديث (3488).
(4) «فتاوى اللجنة الدائمة» (13/49).