ما حكم أكل المواد الغذائية والأدوية التي يستعمل فيها الجيلاتين بارك الله فيكم شيخنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
الأصل هو اجتناب الأطعمة والأشربة التي تحتوي على شيء من المواد التي حرمها الله ورسوله كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه، و«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْـحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»(1).
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْـمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْـمُرْسَلِينَ،»فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ أشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»(2).
وأخرج الطبراني بإسناد حسن: «طَلَبُ الْـحَلَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(3).
وأخرج الطبرانيُّ والبيهقي: «طَلَبُ الْـحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الفَرَائِضِ»(4).
وأخرج الترمذي وقال: «حسن صحيح غريب». والحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي: «مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ»، قالوا: يا رسولَ الله، إن هذا في أُمَّتِك اليوم كثيرٌ، قال: «وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي»(5).
وأخرج أحمدُ وغيرُه بإسناد حسن: «أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةِ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خُلُقٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ»(6).
وأخرج الطبراني: «طُوبَى لِـمَنْ طَابَ كَسْبُهُ وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ. طُوبَى لِـمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ»(7).
وأخرج الطبراني أيضًا: ««يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْـحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَـحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»»(8).
وإن كان هذا الجيلاتين قد تحوَّل عبر مراحل تصنيعه إلى مركب جديد فقَدَ معه خصائص المادة الأولى ومكوناتها فلا حرج في استعماله، فإن الاستحالة- وهي انقلاب العين بحيث تتحوَّل إلى مادة جديدة تفقد مقومات المادة القديمة وخصائصها- لها أثرها في الحكم، فإن التحريم قد تعلق باسم الخنزير، فإذا كانت مراحل تصنيع الجيلاتين تستحيل معها المكونات الأولى وتصبح شيئًا آخر فلم يعُدْ لهذا الخنزير الذي ارتبط به التحريم أثر ولا وجود.
ولكن الموقف العلمي متردِّد في الحُكم بهذه الاستحالة، فمن قال بتحققها جزم بالإباحة، ومن قال بعدم تحققها استصحب أصل التحريم، ونظرًا لهذا التردُّد فإنَّ الورع والاحتياط يقتضي ترك ما تحققتَ أو غلب على ظنك أنه قد صُنع من لحم الخنزير، إلا إذا دعت إليه الضرورة أو الحاجة الماسَّة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6/311) حديث (6495) من حديث ابن عباس ب، ذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/350) وقال:«رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسن هذا الحديث أبو عمر النمري وغيره، وركبٌ قال البغوي: لا أدري سمع من النبي ﷺ أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة. وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/291) وقال: «رواه الطبراني في الصغير وفيه من لم أعرفهم»، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» حديث (1812).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها» حديث (1015).
(3) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8/272) حديث (8610)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/291) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن».
(4) أخرجه الطبراني في «الكبير» (10/74) حديث (9993)، والبيهقي في «الكبرى» (6/128) حديث (11475) وفي «شعب الإيمان» (6/420) حديث (8741)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وذكره العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/170) وعزاه للطبراني والبيهقي وضعف إسناده.
(5) أخرجه الترمذي في كتاب « صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2520)، والحاكم في «مستدركه» (4/117) حديث (7073)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/177) حديث (6652)، والحاكم في «مستدركه» (4/349) حديث (7876) من حديث عبد الله بن عمرو ب. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/145) وقال: «رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف الترغيب والترهيب» حديث (1718).
(7) أخرجه الطبراني في «الكبير» (5/71) حديث (4616) عن نصيح العنسي عن ركب المصري ب، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/71) وقال: «رواه الطبراني من طريق نصيح العنسي عن ركب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات»، وابن حجر الهيتمي في «الزواجر» (1/139) وقال: «إسناده صحيح حسن».
(8) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/377). وقال : لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا عقيل الجعدي تفرد به إبراهيم بن طهمان. وقال الهيثمي في المجمع (10/233): رجاله ثقات.