ما حكم الذبح من القفا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن التذكية الشرعية هي التي تكون في الحلق بقطع الحلقوم والمريء والوَدَجَين، ويُكره الذبح من القفا؛ لما يتضمنه من تعذيب الحيوان؛ ولما يُخشى من موتها قبل الوصول إلى ذكاتها، فإن ذَبَحها من القفا ففاتت نفسها قبل الوصول إلى مواضع الذبح الشرعي فميتة، وإن تحركت بعد ذبحها أُكلت؛ لأن هذا دليل على عدم فواتها وإنفاذ مَقَاتلها قبل الوصول إلى مواضع الذبح الشرعي، وإن جهل ذلك فهو من مواضع النظر، والأقرب المنع استصحابًا للأصل في اللحوم وهو التحريم.
قال الشافعي: «ولو ذبحها من قفاها، فإن تحركت بعد قطع الرأس أُكلت، وإلا لم تؤكل»(1).
قال الماوردي: «ذَبْح الشاة من القفا مكروه؛ وإنما كرهناه لأمرين: أحدهما: لما فيه من تعذيبها، والثاني: لما يُخاف من موتها قبل الوصول إلى ذكاتها، فإن فعل لم يخلُ حالها من ثلاثة أقسام:
• أحدها: أن يعلم موتها بقطع القفا قبل وصول السكين إلى قطع الحلقوم والمريء، فتكون ميتة لا تؤكل، وكذلك لو بقيت فيها عند وصول السكين إلى قطع الحلقوم والمريء حياة غير مستقرة كحياة المذبوح لم تؤكل؛ وإنما كان كذلك لأن الذكاة لا تُستباح إلا بقطع الحلقوم والمريء، وقطع قفاها يجري في فوات نفسها مجرى كسر صلبها، وبقر بطنها، ولا تحصل به ذكاة وإن وجئ.
• والقسم الثاني: أن قطع حلقومها ومريئها، فهذه ذكية تؤكل، وقال مالك وأحمد بن حنبل: هي ميتة لا تؤكل. وقال علي بن أبي طالب: إن فعل ذلك عمدًا لم تؤكل، وإن فعله سهوًا أُكلت احتجاجًا بأن قطع القفا مُوجٍ، والذكاة بعد التَّوْجِيَةِ لا تصح، كالتي أخرج السبُع حشوتَها.
ودليلنا هو أن ما كانت حياته مستقرة وإن لم تدُم صحت ذكاته، كالمقطوعة الأطراف؛ ولأنه لو انتهى بها النزع إلى حد الإياس حلت ذكاتها مع استقرار الحياة، فكذلك قطع القفا، وخالف قطع الحشوة؛ لأن بقاء الحياة معها مستقرة كحياة المذبوح.
• والقسم الثالث: أن يُشكِل حالُها عند قطع الحلقوم والمريء: هل كانت حياتها مستقرة أو غير مستقرة؟ ففي إباحة أكلها وجهان:
أحدهما- وهو ظاهر قول أبي إسحاق المروزي: أنها غير مأكولة؛ لأن الأصلَ الحظر حتى تُعلم الإباحة.
والوجه الثاني- وهو ظاهر قول أبي علي بن أبي هريرة: أنها مأكولة؛ لأن الأصلَ فيها الحياة حتى يعلم فواتها»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) «الأم» (8/392).
(2) «الحاوي الكبير» للماوردي (19/118).