ما حكم استخدام الميكرويف في تسخين طعام مباح بعد استخدامه مباشرة في طبخ أو تسخين لحم الخنزير؟
ووجه هذا التساؤل أنه يتطاير أثناء تسخين الطعام في الميكرويف بخار ناتج عن ذلك الطعام يمتلئ به الميكرويف ، فإذا وُضع بعده مباشرة طعامٌ آخر ربما اختلط بهذا البخار، فيثور تساؤل حول حكم البخار الناتج عن النجاسة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهلُ العلم في حكم هذا البخار الناتج عن النجاسة، فذهب الشافعية(1) في الأصح والحنابلة(2) في المذهب وأبو يوسف من الحنفية إلى أن دُخان النجاسة كأصلها، أي أنه نجس، فيمنع بناء على ذلك استخدام الميكرويف في مثل هذه الحالة، والصحيح أنه طاهر، وأن هذا الاستخدام مشروع، وهو الصحيح عند الحنفية(3)، والمعتمد عند المالكية(4)، ورواية في مذهب الحنابلة اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «الدخان والبخار المستحيل- أي المتحول- عن النجاسة طاهر؛ لأنه أجزاء هوائية، ونارية، ومائية، وليس فيه شيء من وصف الخبث». انتهى(5).
وقال أيضًا: «وبخار الماء النجس الذي يجتمع في السقف طاهر». انتهى(6).
والقائلون بنجاسة البخار يعفون عن يسيره رفعًا للحرج. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) جاء في «المجموع» (2/597): «قال المصنف رحمه الله تعالى: ( وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه نجسٌ ؛ لأنها أجزاءٌ متحللةٌ من النجاسة فهو كالرماد ( والثاني ) : ليس بنجسٍ ؛ لأنه بخار نجاسةٍ فهو كالبخار الذي يخرج من الجوف ) . ( الشرح ) : الوجهان في نجاسة دخان النجاسة مشهوران ، ودليلهما مذكورٌ في الكتاب ( أصحهما ) عند الأصحاب النجاسة».
(2) جاء في «المغني» (1/53): «فصل : ظاهر المذهب ، أنه لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة ، إلا الخمرة ، إذا انقلبت بنفسها خلا ، وما عداه لا يطهر ؛ كالنجاسات إذا احترقت وصارت رمادا ، والخنزير إذا وقع في الملاحة وصار ملحا ، والدخان المترقي من وقود النجاسة ، والبخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ثم قطر ، فهو نجس . ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة قياسا على الخمرة إذا انقلبت ، وجلود الميتة إذا دبغت ، والجلالة إذا حبست ، والأول ظاهر المذهب . وقد نهى إمامنا رحمه الله عن الخبز في تنور شوي فيه خنزير».
(3) جاء في «حاشية ابن عابدين» (1/322-325): «( قوله : وبخار نجسٍ ) في الفتح مرت الريح بالعذرات وأصاب الثوب ، إن وجدت رائحتها تنجس ، لكن نقل في الحلية أن الصحيح أنه لا ينجس ؛ وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة ، قيل ينجسه ، وقيل لا وهو الصحيح . وفي الحلية : استنجى بالماء وخرج منه ريحٌ لا ينجس عند عامة المشايخ وهو الأصح ، وكذا إذا كان سراويله مبتلا. وفي الخانية ماء الطابق نجسٌ قياسًا لا استحسانًا . وصورته : إذا أحرقت العذرة في بيتٍ فأصاب ماء الطابق ثوب إنسانٍ لا يفسده استحسانًا ما لم يظهر أثر النجاسة فيه ، وكذا الإصطبل إذا كان حارًا ، وعلى كوته طابقٌ أو كان فيه كوزٌ معلقٌ فيه ماءٌ فترشح ، ، وكذا الحمام لو فيها نجاساتٌ فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر . قال في الحلية : والظاهر العمل بالاستحسان ، ولذا اقتصر عليه في الخلاصة ، والطابق : الغطاء العظيم من الزجاج أو اللبن . ا هـ».
(4) جاء في «حاشية الدسوقي» (1/56-58): «( قوله : والمعتمد أنه طاهرٌ ) أي مطلقًا وأن النار تطهر سواءٌ أكلت النار النجاسة أكلا قويًا أو لا خلافًا لمن قال بنجاسته كالمصنف ولمن فصل وعلى المعتمد فالخبز المخبوز بالروث النجس طاهرٌ ، ولو تعلق به شيءٌ من الرماد وتصح الصلاة قبل غسل الفم من أكله ويجوز حمله في الصلاة وكذا ينبني عليه طهارة ما حمي من الفخار بنجسٍ وكذا عرق حمامٍ به ( قوله : والمعتمد أنه ) أي دخان النجس طاهرٌ».
(5) «الفتاوى الكبرى» (1/234).
(6) «الفتاوى الكبرى» (1/260).