سفر المرأة المنظم من الدولة كمكافأة- بدون محرم


أنا طالبة جزائرية حصلت على شهادة التعليم الثانوي العام البكالوريا بتقدير جيد جدًّا، وكمكافأة لنا نظمت الدولة الجزائرية رحلة سياحية إلى إحدى الدول التالية: الإمارات- مصر- سوريا- تركيا.
فهل يجوز لي الذهاب في هذه الرحلة؟ علمًا أننا سنقسم إلى أفواج يتكفل بنا أشخاص معنيون بالأمر قد عيَّنتهم الدولة، أي أنني سأذهب بدون محرم. جزاكم الله خيرًا.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصل ألا تسافر المرأة إلا مع ذي رحم محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْـمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».
قال أبو العباس القرطبي في «المفهم»: «قوله صلى الله عليه وسلم للرجل: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» هو فَسْخ لما كان التزم من المُضِيِّ للجهاد ويدل على تأكُّد أمر صيانة النساء في الأسفار». اهـ.
وقد اختلف في اشتراط المحرم في الحج الواجب على قولين، لعل أرجحهما جواز الحج مع الرفقة المأمونة ولو لم يوجد المحرم؛ لما أخرجه البخاري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: «أَذِن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حَجَّة حَجَّها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف».
قال ابن حجر: (وفيه: اتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك… ولحديث عَدِيِّ بن حاتم مرفوعًا: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الـحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا زَوْجَ مَعَهَا…» الحديث، وهو في البخاري. وتُعقِّب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه. وأجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام، فيُحمل على الجواز). اهـ.
أما ما سوى ذلك من الأسفار المشروعة كحج التطوع أو السفر لزيارة أقارب أو لتجارة ونحوه فإن الجمهور على المنع من سفرها بغير محرم؛ للأحاديث القاضية بالمنع، وأجاز بعضهم ذلك مع أمن الفتنة، ووجه هذه الأحاديث بأن مناطها عند الخوف من الفتنة، كما كان هو الشأن في الأسفار في ذلك الزمان، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا القول، حكاه عنه ابن مفلح في «الفروع» بقوله: «وعند شيخنا: تحجُّ كل امرأة آمنة مع عدم المحرم. وقال: إن هذا مُتَوَجِّه في كل سفر طاعة. كذا قال :». اهـ.
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار»: «والذي جَمَعَ معاني آثار الحديث على اختلاف ألفاظه أن تكون المرأة تُمْنَع من كل سفر يُخْشى عليها فيه الفتنة، إلا مع ذي محرم أو زوج، قصيرًا كان السفر أو طويلًا. والله أعلم». اهـ.
فالذي يظهر أن المسألة في محل الاجتهاد، والاحتياط والحزم قول الجمهور بالمنع إلا في الحج الواجب، والذي نختاره لك هو الاحتياط للدين والخروج من الخلاف، فقد منَّ الله عليك بهذا التفوق، وهو نعمة تقتضي الشكر، ومن شكرها أن تحافظي على مقتضى الورع، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend