مسلمٌ قتل نصرانيًّا عمدًا يُريد أَخْذ ماله، فهل يُقتل المسلم قصاصًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن ما فعله القاتل يُعتبر كبيرة من أكبر الكبائر، وجريمة من أبشع الجرائم؛ فقد عظَّم الإسلامُ قتلَ النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، فقال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، وقال ﷺ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»(1).
وكون القتيل غيرَ مسلم لا يرفع عنه هذا الوعيد الشَّديد والإثم العظيم؛ لأن الكافرَ غير الحربيِّ المسالم والمعاهد والذمي محترمُ الدَّم والعِرض والمال؛ فلا يجوز الاعتداءُ عليه بغير حقٍّ شرعيٍّ.
هذا وقد اختلف أهلُ العلم في قَتْل المسلم بغير المسلم(2)، إلا أنه إذا قتله حرابةً لأَخْذ ماله على النَّحو المذكور، فإنه يُقتل به قولًا واحدًا عند المالكيَّة(3) ومن وافقهم، ولا عفو فيه لأولياء الدَّم ولا للسلطان، بل ولا للمقتول نفسه؛ قال ابن أبي زيد المالكي في «الرِّسالة مع شرحه»: «وقَتْل الغيلة لا عفو فيه لا للأولياء ولا للسلطان ولا للمقتول أيضًا ولو بعد إنفاذ مقاتله، ولو كان المقتول كافرًا والقاتل حرًّا مسلمًا؛ لأن قَتْله على هذا الوجه في معنى الحرابة، والمحارب بالقتل يجب قَتْله ولو بعبدٍ وكافر، فالقتل دَفْع الفساد في الأرض وهو حقٌّ لله لا للآدميِّ، وعلى هذا فيُقتل حدًّا»(4).
وقد استدلَّ المالكيَّة لمذهبهم هذا بآثارٍ كثيرة، منها: ما رواه البيهقيُّ أن النَّبيَّ ﷺ رفض قبول عذر الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد غِيلةً(5).
ورَأْيُ المالكيَّة في هذا المقام جديرٌ بالاعتبار، فهو أرعى للعهود وأحفظ للذِّمم وأحقن للدماء وأليق بمقاصد الشَّرع. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الجزية» باب «إثم من قتل معاهدًا بغير جرم» حديث (3166) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
(2) اتفق الجمهور على عدم قتل المسلم بالكافر. فجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (7/97): «(ص): (قال مالك: الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة فيقتل به)».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (5/231-240): «(و) يشترط أيضا في القاتل (مكافأة) بالهمز، وهي مساواته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة، ويعتبر حال الجناية وحينئذ (فلا يقتل مسلم) ولو زانيا محصنا (بذمي) لخبر البخاري: ألا لا يقتل مسلم بكافر. قال ابن المنذر : ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يعارضه».
وجاء في «شرح منتهى الإرادات» من كتب الحنابلة (3/267): «و (لا) يقتل (مسلم ولو ارتد) بعد القتل (بكافر) كتابي أو غيره ذمي أو معاهد».
وخالفهم الحنفية فأجازوا قتل المسلم بالذمي الذي يدفع الجزية، فجاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (7/236-238): «ويقتل العالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، والعاقل بالمجنون، والبالغ بالصبي، والذكر بالأنثى، والحر بالعبد، والمسلم بالذمي الذي يؤدي الجزية، وتجري عليه أحكام الإسلام».
(3) جاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (2/296): «(وقتل الغيلة) وهي قتل الإنسان لأخذ ماله (لا عفو فيه) لا للمقتول ولا للأولياء ولا للسلطان، ظاهر كلامه ولو كان المقتول كافرا وهو كذلك في المدونة، وإنما لم يجز العفو فيها؛ لأنها حق الله تعالى وعلى هذا مقتول حدا لا قودا».
(4) «رسالة القيرواني» (1- 122، 123).
(5) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (8/57) حديث (15841).