شيخنا، بارك الله فيكم وفيما تقومون به لتنوير الناس وتفقيههم في دين الله عز وجل، وأحمد الله سبحانه وتعالى أن بلغنا شهر رمضان راجيًا من العلي القدير أن يوفقنا وإياكم إلى صيامه وقيامه كما يحب ويرضى، وأرجو أن يتسع صدركم لقراءة حالتي، وأن تفتوني حتى أصلح ما فات، وأثبت أنا وأهلي على دين الله.
محنتي تعود إلى زمن كنت فيه على علاقة زنا مع فتاة أدت إلى حمل ثم إجهاض مخافة من الأهل ومن المجتمع، نحن الآن متزوجان على سنة الله ورسوله ولدينا أبناء، منذ مدة بدأت في تجديد التوبة مع الله عز وجل وبدأت أتذكر كل الكبائر والصغائر التي ارتكبتُ تائبًا، مستغفرًا الله عز وجل، محاولًا أن أصلح ما يمكن إصلاحه، لاعتقادي أن التوبة وحدها لا تكفي في بعض الذنوب، و بالتالي فقد تكون سببًا في رد وعدم قبول الأعمال، وما أحوجني لأن يتقبل مني الله عز و جل، لعله ينظر إلي نظرة رحمة، والله ما هي إلا نظرة واحدة منه، على أي حال، فما تذكرت كبيرة إلا وأحسست بالخزي والذل والهوان، وبأني منافق فاجر بما كنت أفعل، فقد كنت أزني وأشرب الخمر، وقمنا بالإجهاض، بل وكنت أحيانًا أسب الرب والدين، وأنا والله غير قاصد، فحتى حين كنت أعصي الله كانت تصيبني حالة ندم شديدة، إلا أنني أعود إلى المعصية، ولا أتذكر هل كنت أتوب حينها أم لا.
وأنا الآن أجاهد حتى أكون في شرع الله، فقد بدأت حفظ كتاب الله عز وجل، وأحاول أن أواظب على قيام الليل، وأقلعت عن مصافحة النساء، وسجلت أبنائي في دار من دور تحفيظ القرآن الكريم، وزوجتي تحجبت وأصبحت تواظب على صلاة الفجر، وتطيعني في كثير من أمور الدين بما في ذلك لباسها، غير أنها تطلب مني ألا أشق عليها، حيث إنها من أسرة غير متدينة وهي تجاهد حتى تغير ما اعتادت عليه، بل وما يسود المجتمع بأسره؛ للإشارة فقد جددنا عقدنا من قبيل الاحتياط، وإليكم ما أجد بسببه غصة لا تكاد تفارقني، ووساوس لا يعلمها إلا الله عز وجل، تجعلني أحيانًا أتيقن بأني أضعت دنياي وآخرتي:
ـ تقض مضجعي مسألةُ الإجهاض، فكل ما أستطيع تذكره هو أن أيامًا قليلة بعد تأكدها من انقطاع الحيض، قمنا بعملية الإجهاض، وأنا غير متأكد تمامًا من المدة، فهل تكفينا التوبة أم علينا شيء آخر لإصلاح الأمر؟ أرجوكم أن تفتونا شيخنا حتى أخرج من دائرة الشك والوساوس، وأنا إلى الآن لم أخبر زوجتي بهذا مخافة أن أدمرها نفسيًّا، وهي التي تستصلح نفسها أكثر فأكثر.
ـ هل احتياطًا، يتوجب عليَّ تجديد العقد مرة أخرى، بعدما كان يعتريني من السب، علمًا أني لم ولن أقصد يومًا ذلك؟
ـ هل صبري على زوجتي في بعض أمور الدين مذموم أم محمود؟ و قد حكيت عنها ما حكيت، هل يجعلني هذا في حكم الديوث؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الشيطانَ الذي أغراك بالأمس بالفاحشة هو الذي يدفعك اليوم إلى القنوط من رحمة الله، ويجرُّك إلى محرقة الوساوس والشكوك، فاحذره على نفسك وعلى دينك، واتخذه عدوًّا(1).
واعلم أنه مهما بلغت ذنوب العبد ولو كانت قُراب الأرض، ثم جاء ربه تائبًا منيبًا إليه، { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [الشورى: 25]. وكما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 110].
ولا يلزمك تجديدُ العقد إلا على سبيل الاحتياط، وخروجًا من هذه الوساوس، فإن من راجع الإسلام من أهل الردة في زمن الصحابة لم يؤمروا بتجديد عقود أنكحتهم.
وصبرك على زوجتك صبرٌ محمود، إن قصدت به أن تسوقها إلى ربها سوقًا رفيقًا، وألا تبغض إليها عبادة ربها.
والديوث هو الذي يقرُّ الخبث في أهله، وأنت بما قصصت أبعد الناس من ذلك، فاستدِمْ يا بني فعلَ الخيرات، وترك المنكرات، وأحسن الظن بربك، وأرجو أن يريك الله من لطائفه ما لم يكن يخطر لك على بال. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) قال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].