شيخنا الحبيب ، السلام عليكم ورحمة الله ارجو من الله أن تكون بخير وعافية .. أخ لنا في الجالية توفي قبل اكثر من عام وثمة هناك دلائل على وجود خطأ طبي توفي على إثره . يطلب المحامي الآن استخراج الجثة للتحقيق والتشريح ، ما حكم ذلك حفظكم الله ؟
الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالأصل في التشريح المنع لما يتضمنه من امتهان لكرامة الميت واعتداء على جسده ، إلا أن أهل العلم نظروا في بعض الحالات التي يترتب فيها على التشريح مصالح ومنافع كبيرة تربو على المفسدة الحاصلة به ، كمصلحة التعرف على سبب الوفاة في الدعاوى الجنائية ، ومصلحة التحقق من الأمراض الوبائية التي تستدعي التشريح لأخذ الاحتياطات الوقائية والعلاجات المناسبة ، وكذلك مصلحة تعلم الطب والرقي به إذا تعين تشريح الآدمي سبيلا إلى ذلك
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1408هـ الموافق 1987م بهذا الخصوص ونصه ما يلي:
“بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى ، والتي يصير بها التشريح مصلحة تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت ، قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يأتي :
أولا : يجوز تشريح جثث الموتى لأحد الأغراض الآتية :
أ- التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الموت أو الجريمة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب .
ب- التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض .
ت- تعليم الطب وتعلمه كما هو الحال في كليات الطب .
ثانيا : في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية :
أ- إذا كانت الجثة لشخص معلوم يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته ، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته ، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة .
ب- يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة كيلا يعبث بجثث الموتى .
ت- جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات إلا إذا لم يوجدن .
ثالثا : يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة ” انتهى .
وجاء في كتاب “البحوث العلمية” لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (2/83-84) ما يلي :
” الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية .
الثاني : التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية ؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها .
الثالث : التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما .
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة قرر المجلس ما يلي :
بالنسبة للقسمين الأول والثاني : فإن المجلس يرى : أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك .
وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع : إجازة التشريح لهذين الغرضين ، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا .
وأما بالنسبة للقسم الثالث : وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ، وبدرء المفاسد وتقليلها ، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما ، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها .
وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان .
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة : فإن المجلس يرى : جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة ، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا ؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كسر عظم الميت ككسره حيا ) ، ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته ، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة : فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين ” انتهى .
وعلى كل حال فإن الحالة المذكورة تندرج تحت الحالة الاولى التي أباحها قرار المجمع الفقهي وقرار هيئة كبار العلماء مجتمعين، فلا ارى في ذلك حرجا أن ترجحت فيه المصلحة، والله تعالى أعلى وأعلم .