حلق اللحية برًّا بالوالد واتقاء لشر الأمن

أنا شابٌّ مصريٌّ في مقتبل العمر، وأُعَدُّ أكبر إخوتي (البكري)، مجال تخصُّصي هو نظم وتكنولوجيا المعلومات، وبالتَّالي عملتُ في شركةٍ من كبرى شركات السوفت وير في مصر، وكان هذا يؤهِّلني لاكتساب المزيد من الخبرة في مجال عملي، وكنت أتلقَّى مُرتَّبًا جيدًا من هذه الوظيفة.
الحمد لله تحقَّق حُلْمي في العمل بمكان جيدٍ، وفجأةً حدثت مشكلةٌ كبرى لي غيَّرت مجرى حياتي! تعرَّضتُ للإصابة بورم في المخِّ جعلني أقوم بفحوص طبِّيَّة وأشِعَّةٍ، ومن ثم الدُّخول في ثلاث عمليَّات جراحيَّة، وتُقدَّر العمليَّة الثَّانية بثماني عمليَّات.
ثم دخلتُ في فترة العلاج والنَّقاهة مع أخذ العلاج والأدوية المستمرَّة حتى الآن، فقام والدي بصرف كلِّ ما يدَّخِره من مالٍ من أجلي، على الرغم من غربته، ولكن حدث لي تغيير في شكلي وسلوكياتي للأسف.
دخلتُ طريق الالتزام منذ فترة، فانقلب هذا الالتزام على أخلاقي وتعاملاتي، ومن ثم مظهري، حيث قمت بإعفاء لحيتي، لا أنسى هذه الفترة الأولى من التزامي؛ لأنني كنت دائم الإحساس بلذة الطَّاعة والتَّقرُّب إلى الله؛ نتيجة لذلك عندما كنت أرى المعصية أمامي أُسارع في التَّحدُّث مع المخطئ لإيقافه عن تلك الفعلة.
كنت في محاسبةٍ شديدة لنفسي عن الكسل أو التَّقصير في الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المنكر عند الوقوف بين يدي الله، وفي إحدى الـمَرَّات كان الشَّخص المنصوح من ضمن جواسيس الأمن (أمن دولة)، فهدَّدني ساعتها بالدُّخول إلى مركز الشُّرطة، وللأسف الشَّديد تخوَّفتُ من الدُّخول معه، حيث تذكَّرتُ لحظتها تخويفَ عائلتي لي من حالتي؛ لأنني صاحب عمليَّات وأتلقى علاجًا بمواعيد ثابتة ولا أتحمَّل أيَّ ضربةٍ على رأسي، فتركتُ حينها هذا الرَّجُل وانسحبتُ، ولكنه قام بالإبلاغ عني وتلفيق لي تُهَمة الانتماء لجماعة محظورة مع أني ليس لي علاقة بأحد والحمد لله.
ومع مرور الأيام قمتُ بارتكاب ذنبٍ ما فظهر مباشرةً العقابُ الإلهي بعدها، ظهر ملف أمن الدَّولة أمام والدي! وكان ذلك هو الدَّافع لدى والدي في مطالبتي بتحديد لحيتي أو حلقها، بالإضافة إلى ترك كلِّ شكلٍ من أشكال الالتزام والاختفاء من أعين النَّاس خوفًا من الحسد، وعند الكلام معه في التَّوكُّل على الله وأنه هو الحافظ والاقتداء بأوامر الحبيب صلى الله عليه وسلم وأنها هي السَّبيل للنَّجاة في الآخرة تكون الإجابة بالرَّفْض القاطع وعدم الاستماع لجزءٍ من هذا الكلام!
وقد وعدتُ الوالد قبل ذلك بحلق جزءٍ كبير منها دومًا بعد سماعي لتوجيه أحد الشُّيوخ (مفتي الإمارت سابقًا) بوعد الأب بحلقها حتى ترضيه، ولكن مع عدم الإتيان بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالفعل قمتُ بهذا العمل، لكنه حينما حان وقتُ حلق اللِّحية لم أُنفذ وعدي له، فقام والدي بسبِّي وتكفيري وجعلني من المنافقين الخارجين على الملة، وكان من الممكن أن أتسبَّب في حدوث جلطة دماغيَّة له، ولا أُريد أن أتسبَّب في هذه الكبيرة، فقمتُ بحلق جزءٍ كبير منها خوفًا من تهديده لي بحلقها كلِّها رغمًا عنِّي!
ولكنها بدأت في الكبر الآن ولا أُريد ترك هذا الطَّريق بعد المضيِّ قُدُمًا فيه، وأنا في حَيْرةٍ من أمري: أأطيع والدي في طلباته بتحديد اللِّحية وبالتَّالي أتجنَّب معصيته وعقوق الوالدين والتَّسبُّب في أيِّ ضررٍ صِحِّيٍّ له؟ أم أقوم بتهذيب لحيتي (حلق جزء منها وترك الباقي) عصفورٌ في اليد خيرٌ من عَشَرة على الشجرة؟ أم أستمر في إعفاء لحيتي والصَّبْر على الصُّعوبات التي تواجهني فأفوز بمرافقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الجنَّة؛ قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69]؟
طاعة الوالد؟ أم معصية الوالد والفوز بحبِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
زادك الله يا بني حرصًا وتوفيقًا، وأودُّ التَّنْبيه إلى أن المقابلة ليست على النَّحو الذي ذكرتَ؛ لأن الوالد ليس جاحدًا للسُّنَّة وليس منكرًا للتَّديُّن، ولكنه أبٌ يخاف على ولده أن يتعرَّض وهو المريض الذي لا يزال يعيش آثار عمليَّات دقيقة أُجريت له في المخِّ؛ لفِتْنة لا تقوى لها صحته فيذهب ضحيَّة لها!
ويَنْبَغي أن تُقدِّر دوافع الوالد وبواعثه، فلا تجعل نفسك في مقام بلالٍ وتجعل والدك في مقام أبي جهل، ثم تسبح بك الخيالات أو الشطحات! فلست ببلال، وليس والدُك أبا جهل! وإنني أدعوك إلى التَّرفُّق بالوالد والصَّبْر عليه، والتَّوسُّل إليه بمن تظنُّه يستمع إليه ويتقبَّل منه النُّصح، فإن تأزَّمت الأمور فلا حرج عليك في تهذيب لحيتك، أخذًا بالرُّخْصة واتِّقاءً للفِتْنة واسترضاءً للوالد ورفقًا بشيخوخته، وأرجو أن يعذرك الله عز وجل. ونَسْألُ اللهَ لنا ولك التَّوفيق والتثبيت، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend