كفارة الجماع نهار رمضان لمن عجز عن الصوم والإطعام
السؤال
شيخي الفاضل ما هي كفارة الجماع نهار رمضان لمن عجز عن الصوم والإطعام حيث أن صديق لي أخبرني
أنه عاشَر زوجته في نهار رمضان الماضي، وطلب مني أن أُفتِيه في هذا الأمر، وأنه نادم على ذلك الفعل،
فأجبته أن عليه القضاءَ والكفارة، فقال لي: ما هو القضاء وما هي الكفارة؟ فأجبته: أن القضاء هو صيامُ يومٍ بدلًا
عن هذا اليوم الذي حدثت فيه المعاشرة، أما الكفارة فهو صيامُ شهرين متتابعين، وإذا حدث خلل لأي ظرف ما وأفطر فإنه
يجب إعادة صيام هذه الأيام من بدايتها، ويجب عدُّ هذه الأيام من البداية، فأجابني أنه من ناحية القضاء فإنه لا يمانع من صيام
يومٍ بديل عن ذلك اليوم، أما الكفارة فإنه لا يقدر صحيًّا على صيام الشهرين المتتابعين، كما أنه ليس باستطاعته
أن يطعم ستين مسكينًا، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
جزاكم الله عنا خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمن عجَز عن الصوم والإطعام في كفارةِ الجماع في نهار رمضان، ولم يكن متصنعًا في ذلك- سقطت عنه الكفارة،
وأمرُه في قبول توبته إلى الله عز وجل؛ لأن التكليف في حدود الوسع والطاقة، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها،
لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أمرَ الرجل بالكفارة،
وأخبره أنه لا يستطيع، لم يذكر له بقاءَها في ذمته(1)، ولأن الواجب يسقط بالعجز.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع»: «وسقوطُ الكفارة بدليل الكتاب والسنَّة،
أمَّا من الكتاب فقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7]. وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيءٌ
فلا يكلَّف إلَّا ما آتاه الله، وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
ودليلٌ ثالثٌ: العموم، عموم القاعدة الشرعيَّة، وهي أنَّه لا واجب مع عجزٍ، فالواجبات تسقط بالعجز عنها،
وهذا الرجل الذي جامع لا يستطيع عتقَ الرقبة ولا الصيامَ ولا الإطعامَ، نقول: إذًا لا شيء عليك وبرئت ذمَّتُك.
فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفر أو لا؟ فالجواب:
لا يلزمه، لأنها سقطت عنه، وكما أنَّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدِّي الزكاةَ عمَّا مضى من سنواته؛ لأنَّه فقير،
فكذلك هذا الذي لم يجد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها.
أمَّا الدليل من السنَّة: فهو أن الرجل لمَّا قال: (لا أستطيع أن أطعم ستين مسكينًا) لم يقل النبي صلّىَ الله عليه وسلَّم:
أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: (خذ هذا تصدَّق به)، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟!
فقال: (أطعمه أهلك)، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك. فدلَّ هذا على أنها تسقط بالعجز»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الصوم»
باب «إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق» حديث (1936)، ومسلم في كتاب «الصيام»
باب «تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم» حديث (1111)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بينما نحن جلوسٌ عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «مَا لَكَ؟» قال:
وقعت على امرأتي وأنا صائمٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تعْتِقُهَا؟» قال: لا. قال:
«فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ متَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا. فقال: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قال: لا. قال:
فمكث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمرٌ- والعرق:
المكتل- قال: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فقال: أنا. قال: «خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ». فقال الرَّجلُ: أعلى أفقرَ منِّي يا رسول الله؟!
فوالله ما بين لابتيها- يريد الحرَّتين (أي: المدينة)- أهلُ بيتٍ أفقر من أهل بيتي. فضحك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
حتَّى بدت أنيابُه ثمَّ قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
(2) «الشرح الممتع» (6/417).
يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصيام الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي.
كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي