شرح قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)

نرجو منكم تفصيلًا وتوضيحًا لقصة الرَّجُل الذي تأوَّل الآية: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، يعني: كيف كان يربط الخيطين؟ وإلى متى كان يُفطر؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 187].
ومعنى الآيَةِ كما قال الحافظ ابن حجر: «حتى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهار مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ، وهذا البيانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، فالمراد من الخيط الأبيض: النهار، والخيط الأسود: الليل»(1).
وقد فهم بعض الصَّحابة -رضي الله عنهم- الآيةَ على خلاف معناها، ففهموا أن المرادَ منها الخيط الحقيقيَّ، فكان أحدُهم يجعل تحت وسادته أو يربط في رجله خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ويظلُّ يأكل حتى يتبيَّن له أحدهما من الآخر.
وسبب هذا الخطأ في فهم معنى الآية أن اللهَ تعالى أنزل الآية أوَّلًا بدون قوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، ففهمها بعضُ الصَّحابة على المعنى المتبادِر إلى الذِّهن من كلمة ﴿الْخَيْطِ﴾ ثم أنزل اللهُ تعالى بعد مُدَّة- قال بعض العُلَماء: إنها سَنَة- أنزل قوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أن المراد بالخيط الأبيض: ضوء الفجر (النهار)، وبالخيط الأسود: الليل.
وروي البخاريُّ ومسلم عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قال: أُنْزِلَتْ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾[البقرة: 187]، ولم يَنْزِلْ ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾، فكان رِجَالٌ إذا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الخيط الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، ولم يَزَلْ يَأْكُلُ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ الله بَعْدُ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيل وَالنَّهَارَ(2).
فهؤلاء الصَّحابة حَمَلُوا الْـخَيْطَ على ظَاهِرِهِ، فلمَّا نَزَلَ ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ علموا المراد.
وقد فهم عديُّ بن حاتم رضي الله عنه  الآيةَ كما فهمها هؤلاء، حتى صحَّح له النَّبيُّ ﷺ هذا الفهم وبيَّن له المعنى المراد من الآية(3). والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________

(1) «فتح الباري» (4/134).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (1917)، ومسلم (1091).

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (1916)، ومسلم (1090)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه  قال: لما نزلت ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين؛ عقالًا أبيض وعقالًا أسود أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله ﷺ «إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ؛ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 القرآن الكريم وعلومه, 05 الصيام

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend