حكم الاستمناء بالفكر أو النظر في نهار رمضان
السؤال:
ما حكم الاستمناء بالفكر أو النظر في نهار رمضان ؟ أستمع في رمضان لأحد المفتين قائلا بأن على المفطر عمدًا بغير الجماع
كفارة أيضًا صيام شهرين متتابعين، أردت أن أستفتي حضرتك في أمرٍ، وهو أنني في مقتبل شبابي،
وفي أحد أيام رمضان في النهار أويت إلى فراشي فتواردت عليَّ صور، ومع التفكير فيها أنزلت المني أستغفر الله وأتوب إليه فما الحكم؟
مع العلم بأني لم أفعل شيئًا سوى التفكير، وأني تركت الذكر على وضعٍ يسهل القذف، عفوًا الأمر محرج ولكن الله المستعان.
هل عليَّ كفارة صيام شهرين متتابعين؟ وإن كان نعم فهل يمكنني قضاء اليوم الآن وتأجيل صيام الشهرين المتتابعين إلى الشتاء مثلًا؟
ولو أجَّلت هكذا فهل يمكنني صيام الستة أيام من شوال التطوع الآن؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن جمهور أهل العلم(1) على أن الكفارة لا تجب في شيء من نواقض الصوم إلا في الجماع خاصة،
والمالكية(2) على أن تعمُّد الطعام أو الشراب أو الجماع أو الاستمناء يوجب القضاء والكفارة، وأغرب الظاهرية فقالوا:لا يوجب القضاء ولا الكفارة.
وقصارى ما يبلغه موقفك هذا أن يُعد من جنس الاستمناء، والجمهور على أنه يوجب القضاء(3) فقط ولا يوجب الكفارة،
وهو ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الجرمين؛ فقد سئلوا عمن استمنى في نهار رمضان؟ فأجابوا بوجوب القضاء دون الكفارة.
وإليك نص السؤال والجواب تتميمًا للفائدة:
السؤال الأول من الفتوى:
س1: إذا تحركت شهوة المسلم في نهار رمضان ولم يجد طريقًا إلا أن يستمني. فهل يبطل صومه؟
وهل عليه قضاء أو كفارة في هذه الحالة؟
ج1: الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5 – 7].
وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوبَ إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛
لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
علمًا بأن الخلاف في مسألتك خلاف قوي، وهي مسألة الإنزال بمجرد الفكر أو النظر دون مباشرة للذكر أو دلك له:
فمن العلماء من توسَّع فيه كالحنفية(4) والشافعية(5)، فقالوا: إن الإنزال بالفكر وإن طال وبالنظر وإن كان بشهوة لا يفسد الصوم،
وإن عَلِم أنه ينزل به؛ لأنه إنزال من غير مباشرة، فهو في هذه الحالة أشبه بالاحتلام.
ومنهم من ضيَّق كالمالكية فقالوا: «إن أمنى المرءُ بمجرد الفكر أو النظر، من غير استدامة لهما؛ فإن صومه فاسد،
ويجب عليه القضاء دون الكفارة، وإن استدامهما حتى أنزل فإن كانت عادته الإنزال بهما عند الاستدامة، فتجب الكفارة قطعًا،
وإن كانت عادته عدم الإنزال بهما عند الاستدامة، فخالف عادته وأمنى، فهناك قولان في لزوم الكفارة، والأرجح عدم اللزوم»(6).
والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) جاء في «البناية» (4/56-57) من كتب الحنفية: «(ولو أكل) ش: أي الصائم م: ( أو شرب ما يتغذى به أو ما يداوى به) ش:
في نهار رمضان وكان عمداً م: (فعليه القضاء) ش: أي قضاء ذلك اليوم».
وجاء في «البيان» (3/513-515) من كتب الشافعية: «إذا أفطر بغير الجماع عامدًا، عالمًا بالتحريم، بأن أكل، أو شرب أو باشر فيما دون الفرج،
فأنزل.. وجب عليه القضاء».
وجاء في «شرح الزركشي» (2/569-589) من كتب الحنابلة: «ومن أكل ، أو شرب ، أو احتجم ، أو استعط ،
أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان ، أو قبل فأمنى أو أمذى ، أو كرر النظر فأنزل ، أي ذلك فعل [عامدا] وهو ذاكر لصومه ،
فعليه القضاء بلا كفارة ، إذا كان صومه واجبا ، وإن فعل ذلك ناسيا فهو على صومه ، ولا قضاء عليه».
(2) جاء في «التاج والإكليل» (3/372): «من أكل أو شرب أو جامع عامدًا ذاكرا لصومه فإن كان صومه تطوعًا فعليه القضاء،
وإن كان ذلك في رمضان فعليه الكفارة مع القضاء».
وجاء في «الفواكه الدواني» (1/313-314): «الكفارة على من أفطر متعمدًا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء».
(3) جاء في «الاختيار» (1/131-134) من كتب الحنفية: «ولو استمنى بكفِّه أفطر لوجود الجماع معنى، ولا كفارة لعدم الصورة».
وجاء في «الحاوي الكبير» من كتب الشافعية (3/291-292): «فأما من استمنى في كفه عامدًا ذاكرًا لصومه، فعليه القضاء ولا كفارة».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (2/318-320):« من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدًا فليقض…
أو أدخل إلى جوفه… أو استمنى». (4) جاء في «فتح القدير» (2/329-332): «قال: (فإن نام فاحتلم لم يفطر) لقوله صلى الله عليه وسلم:
ثلاث لا يفطرن الصيام القيء والحجامة والاحتلام. ولأنه لم توجد صورة الجماع ولا معناه وهو الإنزال عن شهوة بالمباشرة
(وكذا إذا نظر إلى امرأة فأمنى) لما بينا فصار كالمتفكِّر إذا أمنى». (5) جاء في «المجموع» (6/339-349):
«وإن نظر وتلذَّذ فأنزل لم يبطل صومه؛ لأنه إنزال من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم». (6)«حاشية الدسوقي» (1/529-530).
مكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصيام الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي.
كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي