شيخي الفاضل، نحن نصلي في إحدى الولايات، ولدينا إمام واحد يصلي بنا التراويح والقيام، ويصلي بنا الوتر مرتين، فعندما سألناه وقلنا له إنه في الحديث: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»(1). قال: إنه بعد أن يتمَّ الوتر بنا في التراويح ويعود إلى البيت يصلي ركعة واحدة، وبهذا يتم نقض الوتر، واستدَلَّ برأي لأبي إسحاق والإمام علي، فهل هذا صحيح أنه يجوز نقض الوتر.

ـــــــــــــــــــ

(1) أخرجه مسلم (1439).

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الذي يفعله إمامكم محتمل، وإن كان غيره أولى منه، فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن من صلى الوتر ثم أراد بعد ذلك أن يصلي نافلة فإن له أن يصلي ما شاء من النوافل ولا يوتر بعد ذلك، إذ لا وتران في ليلة واحدة.
ومن أهل العلم من يقول: إنه ينقض وتره الأوَّل بصلاة ركعة واحدة، ثم يصلي ما شاء ثم يختم نافلته بالوتر امتثالًا للحديث المشتمل على الأمر بأن يجعل آخر صلاته من اللَّيل وترًا.
قال ابن قُدَامة: «ومن أوتر من اللَّيل ثم قام للتهجد فالمستحب أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره، روي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عبَّاس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر، وبه قال طاوس وأبو مجلز، وبه قال النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور، وقيل لأحمد: وهل ترى نقض الوتر؟ فقال: لا. ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو؛ لأنه قد فعله جماعة، ومروي عن علي وأسامة وأبي هريرة وعمر وعثمان وسعد وابن عمر وابن عبَّاس وابن مسعود، وهو قول إسحاق، ومعناه أنه إذا قام للتهجد يصلي ركعة تشفع الوتر الأوَّل ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر في آخر التهجد، ولعلهم ذهبوا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»(1).
ولنا ما روى قيس بن طلق قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان فأمسى عندنا وأفطر ثم قام بنا تلك الليلة ثم انحدر إلى المسجد فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوتر قدم رجلًا فقال: أوتر بأصحابك فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ». رواه أبو داود والتِّرمذي وقال حديث حسن. وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه  قال: أما أنا فإني أنام على فراشي، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح. رواه الأثرم، وكان سعيد بن المسيب يفعله»(2). انتهى.
وعلى كل حال مسائل الاجتهاد لا يضيق فيها على المخالف، فمن ظهر له رجحان أحد القولين عمل به لم ينكر على من ظهر له رجحان القول الآخر. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــ

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «ليجعل آخر صلاته وترًا» حديث (998)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل» حديث (751)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه .
(2) «المغني» (1/453-454).