أنا أواظب في حلقه تحفيظ القرآن للنساء في مسجد ديربون «الجمعية الإسلامية الأمريكية A M S» فالبعض منا لا تحضر الحلقة وهي حائض؛ لأنه لا يجوز للحائض الجلوس في المسجد، والبعض الآخر تحضر بحجة أن مسجد النساء لا تقام فيه خمس صلوات في اليوم والليلة، وإنما تصلي فيه النساء الجمعة، أو أيام الحلقات، أو المحاضرات. فهل هذا صحيح؟ وهل يجوز لي الحضور وأنا حائض؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
اختلف أهل العلم في مكث الحائض في المسجد، فذهب جمهورهم إلى المنع من ذلك، ومن أدلتهم ما يلي:
عن أم عطية قالت: أمرنا- تعني النبي صلى الله عليه وسلم- أن نُخرج في العيدين العواتقَ وذواتِ الخدور، وأمَر الحُيَّضَ أن يعتزلن مصلى المسلمين. فمنع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله؛ لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد.
أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أبلغ في حجة الوداع أن صفية كانت حائضًا قال: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟». ظَنَّ صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف طواف الإفاضة فقالوا: إنها قد أفاضت. وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة.
واستدلوا بأحاديث أخرى ولكنها ضعيفة لا يصحُّ الاحتجاج بها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا أُحِلُّ الْـمَسْجِدَ لِحَائِضٍ، ولا جُنُبٍ». والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (232).
أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأُمن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]، والحائض في معنى الجنب، ولأنه أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض.
وخالف في ذلك بعض أهل العلم، فأجازوا لها أن تبقى في المسجد للحاجة إذا أمنت تلويث المسجد، ومن أدلتهم على ذلك:
حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: «الْـمُسْلِمُ لَا يَنْجَسُ».
قصة المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأل عنها فقالوا: ماتت. قال: «أَفَلَا كُنْتُم آذَنْتُمُونِي». قال: فكأنهم صغروا أمرها. فقال: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا». فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وِإِنَّ اللهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَـهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ».
وقد ذكروا أن هذه المرأة كانت تُقيم بالمسجد، ولابد لها أن يعرض لها أثناء إقامتها ما يعرض لسائر النساء من الحيض ونحوه.
قياس الجنب والحائض على المشرك؛ فقد أجيز للمشرك وغير المسلم دخول المسجد، فالمسلم الجنب أولى. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والمزني وأبو داود وابن المنذر وابن حزم، وأجابوا عن حديث «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» بأن الطواف بالبيت صلاة، وفرق بين الصلاة وبين مجرد المكث في المسجد.
وما رواه سعيد بن منصور في «سننه» عن عطاء بن يسار، قال: رأيت رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة.
وما روي عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث.
وهذا إشارة إلى جميعهم، فيكون إجماعًا يخصُّ به العموم، ولأنه إذا توضأ خف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء. ودليل خفته أمر النبي الجنب به إذا أراد النوم، واستحبابه لمن أراد الأكل ومعاودة الوطء.
والذي نراه هو التيسير على الحائض إذا وجدت الحاجة وتوضأت وضوءها للصلاة وأمنت من تلويثها المسجد. والله تعالى أعلى وأعلم.
مكث الحائض في المسجد
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 02 الصلاة