هل من السنة قول: الصلاة خيرٌ من النوم في صلاة الفجر؟ وفي أيِّ الأذانين تكون؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الكلامَ في الجواب عن سؤالك يتناول مسألتين:
الأولى حول مشروعية التثويب في أذان الفجر ابتداءً.
والثانية حول موضعه: هل هو في الأذان الذي يكون قبل دخول الوقت ليستيقظ النائم؟ أم في الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت إعلامًا بدخوله؟
أما المسألة الأولى فإن التثويبَ في أذان الفجر بقول: الصلاة خيرٌ من النوم، سنةٌ عند جماهير أهل العلم(1)؛ فقد ورد في عدد من الأحاديث الصحيحة، نذكر منها:
ما جاء في «المسند» و«سنن أبي داود»: عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسولَ الله، عَلِّمنيَ الأذانَ. فعلَّمه وقال: «فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا الله»(2).
الحديث الثاني: عن ابن عمر قال: كان في الأذان الأول بعد الفلاح: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْم»(3).
عن أنسٍ قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حيَّ على الفلاح، قال: الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خير من النوم. مرتين(4).
قال النووي في «شرح المهذب»: «والمذهب أنه- أي التثويب- مشروع، فعلى هذا هو سنة، لو تركه صحَّ الأذان وفاته الفضيلة، هكذا قطع به الأصحاب. وقال إمام الحرمين: في اشتراطه احتمال. قال: وهو بالاشتراط أولى من الترجيع. انتهى»(5).
وقال المرداوي في «الإنصاف»: قوله: «ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، مرتين، لا نزاع في استحباب قول ذلك، ولا يجب على الصحيح من المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحاب، وعنه يجب ذلك، جَزَم به في «الروضة»، واختاره ابن عبدوس في «تذكرته» وهو من المفردات»(6).
وأما المسألة الثانية حول موضعه، وهل هو في الأذان الأول الذي يكون قبيل طلوع الفجر الصادق للإعلام بدخول الوقت، أم يكون في الأذان الذي هو دعاء إلى الصلاة وإعلام بدخول وقتها، فهذا هو موضع النظر:
فمِن أهل العلم من قال: إنه يكون في الأذان الأول الذي يكون قبيل دخول الفجر الصادق؛ لأنه ترغيب في القيام وهَجْر المنام والاستيقاظ للصلاة، أما الثاني الذي يكون بعد طلوع الفجر الصادق فهو إعلام بدخول الوقت.
يقول الشيخ الألباني : بعد إيراد النصوص الواردة في الباب: «قلت: وعلى هذا ليس «الصلاة خير من النوم» من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شُرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضًا عن الأذان الأول»(7).
وقد شدَّد : في هذه المسألة، وجعل مخالفة ذلك بدعة، فقال :: «ومما سبق يتبين أن جَعْل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة، وتزداد المخالفة حين يُعرضون عن الأذان الأول بالكلية ويُصرُّون على التثويب في الثاني، فما أحراهم بقوله تعالى: ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 61] لو كانوا يعلمون.
فائدة: قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وابن عمر المتقدمين الصريحين في التثويب في الأذان الأول: «وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى: قوله في أذان الفجر: يُشرع تقديمه على أول الوقت إذا أمكن التمييز بين الأذان الأول والثاني حتى لا يقع الاشتباه. قلت: ذلك ممكن بيسر إذا التزمت السنة التي ميزت الأذان الأول بزيادة جملة: «الصلاة خير من النوم» مرتين كما تقدم، على أن هناك سنة أخرى تزيد الأمر يسرًا، وهي أن يكون مؤذن الأذان الأول غير مؤذن الأذان الثاني، كما في حديث ابن عمر الذي ذكره المؤلف، أخرجه الشيخان، وله شواهد كثيرة خرجتها في «الإرواء» (219)، وهي سنة متروكة أيضًا، فهنيئًا لمن وفقه الله تبارك وتعالى لإحيائها»(8).
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين إلى أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت، واعتبروه هو الأول بالنسبة للإقامة، فهذا الأذان هو الأول، والأذان الثاني عندهم هو الإقامة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين: ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى ﷺ في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في «سنن النسائي» و«ابن خزيمة» و«البيهقي»؟
فأجابوا: نعم، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر؛ امتثالًا لأمر النبي ﷺ، وواضحٌ من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طلوع الفجر الصادق، وسُمِّي أولًا بالنسبة للإقامة، فإنها أذان شرعًا، كما في حديث: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ»(9)، وليس المراد بالأذان الأول ما يُنادى به قبل ظهور الفجر الصادق؛ فإنه شرع ليلًا ليستيقظ النائم، وليرجع القائم، وليس أذانًا للإعلام بالفجر. ومن تدبَّر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويبَ في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلًا قبيل الفجر. انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» (6/ 63).
ومن العرض السابق يتبين أن المسألةَ من مواضع الاجتهاد بين أهل العلم، ومسائل الاجتهاد لا يُضيَّق فيها على المخالف، فمن ظهر له رجحان أحد القولين عمل به، ولم يُنكر على من ظهر له رجحان القول الآخر، ولسنا في هذا المقام بصدد ترجيح أحد الرأيين على الآخر، ولكننا بصدد إزالة الوحشة من قلوب المؤمنين، والنأي بهم عن التهاجر والتبديع بسبب الاختلاف في مسائل اجتهادية، ويتأكد هذا بالنسبة للمغتربين خارج ديار المسلمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (1/130-131): «قال: (ولا يثوب في شيء من الصلاة إلا في الفجر) وكان التثويب الأول في الفجر بعد الأذان: الصلاة خير من النوم. مرتين، فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسَنٌ».
وجاء «المجموع» من كتاب الشافعية (3/96-105): «وإن كان أذان الصبح زاد فيه [التثويب] وهو أن يقول بعد الحيعلة: الصلاة خيرٌ من النوم مرتين. وكره ذلك في الجديد . قال أصحابنا : يُسَنُّ ذلك قولا واحدًا».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة: (1/296): «مسألة: قال: (ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم. مرتين) وجملته أنه يُسَنُّ أن يقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم. مرتين، بعد قوله: حي على الفلاح. ويسمى التثويب».
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/408) حديث (15413)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «كيف الأذان» حديث (500)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (500).
(3) أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/137).
(4) أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/202) حديث (386)، والبيهقي في «الكبرى» (1/423) حديث (1835)، والدارقطني في «سننه» (1/243) حديث (38)، وصححه الألباني في «الثمر المستطاب» (1/132).
(5) «المجموع شرح المهذب» (3/92).
(6) «الإنصاف» (1/413).
(7) «تمام المنة» (1/147).
(8) «تمام المنة» (1/148).
(9) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة» حديث (624)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «بين كل أذانين صلاة» حديث (838)، من حديث عبد الله بن مغفل المزني .