شيخنا الفاضل. خواتم مباركة، ونسأل منه سبحانه أن يجعلنا وإياك من عتقائه من النار، ويُبلغنا وإياكم ليلة القدر.
أنا أُصلي بالناس في التراويح وأحيانًا أسهو فأقوم للركعة الثالثة ظنًّا مني أنها الثانية، فيُسبِّح المصلون من خلفي وقد وقفتُ، ومن ثم أُتِمُّ أربعَ رَكَعات، لكني لا أسجد سجودَ سهو.
والبعض يعترض على هذا، فأخبرتهم أنه يجوز السلام بأربع ركعات في النافلة ولا يجب السهو. فما الحكم بارك الله فيك؟ وهل يجب السهو؟ وهل ما قلته صحيحٌ؟
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ في صلاة الليل أنها مثنى مثنى؛ لحديث: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى». وهو حديثٌ مُتَّفقٌ عليه، أخرجه البخاري ومسلم(1).
وقد حمله الإمامُ أحمد على الوجوب، وجعل من قام إلى ثالثةٍ في قيام الليل كمن قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، فأوجب عليه أن يجلس إذا نُبِّه، ولو كان قد شرع في قراءة الفاتحة(2)، ولكن جماهير أهل العلم(3) يُجيزون صلاة قيام الليل أربعًا أربعًا، وحملوا الحديث السابق على الاستحباب والأفضلية، أو أن النبيَّ ﷺ أرشد أصحابه إلى الأيسر عليهم.
وبناء على ذلك فما فعلته سائغ وفقًا لما عليه الجمهور، وإن كان منهم من أشار إلى أنه ينبغي عليه إن نُبِّه أن يجلس ثم يقوم إلى الثالثة إذا أراد، حتى يكون قد نوى الزيادةَ قبل الشروع في الثالثة، ومنهم من لم يشترط ذلك؛ ولهذا فإن الأولى أن تحافظ مستقبلًا على أن يكون قيام الليل مثنى ومثنى، وأنك إذا نسيت وذكرت جلَسْتَ خروجًا من الخلاف وعملًا بالاحتياط. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «كيف كان صلاة النبي ﷺ» حديث (1137)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل» حديث (749)، من حديث ابن عمر .
(2) جاء في «شرح منتهى الإرادات» من كتب الحنابلة (1/222-223): «( و ) إن نوى ركعتين نفلا فقام إلى ثالثة ( ليلا فكقيامه إلى ) ركعة ( ثالثة ب ) صلاة ( فجر ) نصا . لحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى) ولأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت الفريضة».
(3) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (1/158-159): «قال: (والتطوع بالليل ركعتان ركعتان أو أربع أربع أو ست ست أو ثمان ثمان أي ذلك شئت) لما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة). الذي قال خمس ركعات ركعتان صلاة الليل وثلاث وتر الليل، والذي قال تسع ست صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال ثلاث عشرة ركعة ثمان صلاة الليل وثلاث وتر وركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء ثم فضل البعض عن البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة والأصح أنه لا يكره؛ لأن فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل. ثم قال (والأربع أحب إلي) وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى».
وجاء في «الذخيرة» من كتب المالكية (2/225-232): «في الكتاب: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وجوزها (ح) إلى الثماني بتسليمة بالليل. والأول عنده أحسن، وإلى الأربع بالنهار على وجه الاستحباب، ولو صلى ما شاء جاز. وجوز (ش) أن يصلي بغير عدد، والأفضل السلام من ركعتين ؛ محتجا بما في مسلم: كان -عليه السلام- يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة؛ فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض لا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة».
وجاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/543-550): «(فرع) مذهبنا أن الأفضل في نفل الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد واختاره ابن المنذر وحكي عن ابن عمر وإسحاق بن راهويه أن الأفضل في النهار أربعا. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة صلاة الليل مثنى وصلاة النهار إن شاء أربعا وإن شاء ركعتين، دليلنا الحديث السابق: صلاة الليل والنهار مثنى. وهو صحيح كما بيناه قريبا، وقد ثبت في كون صلاة النهار ركعتين ما لا يحصى من الأحاديث، وهي مشهورة في الصحيح كحديث ركعتين قبل الظهر وركعتين بعده، وكذا قبل العصر وبعد المغرب والعشاء، وحديث ركعتي الضحى، وتحية المسجد، وركعتي الاستخارة، وركعتين إذا قدم من سفر، وركعتين بعد الوضوء، وغير ذلك. وأما الحديث المروي عن أبي أيوب رضي الله عنه يرفعه: أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب السماء. فضعيف متفق على ضعفه، وممن ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأبو داود والبيهقي ومداره على عبيدة بن معتب وهو ضعيف والله أعلم».