أنا امرأة عاملة وأظل على وضوء منذ خروجي من بيتي صباحًا حتى صلاة الظهر، وأحيانًا أُحس برغبة في دخول الخلاء لكنني أحتمل حتى أظل على وضوء، وأصلي العصر متأخرة قبل المغرب بقليل أو بعد المغرب؛ لأنني أعود إلى بيتي متأخرة من عملي، وأنا لا أستطيع تجديد الوضوء في العمل. فهل عليَّ إثم؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فاحذري أن تفوتك صلاة العصر، فمن فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله(1)، ومن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله(2)! فهي الصَّلاة الوسطى التي أكد الله على المحافظة عليها في قوله عز وجل : ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].
وصلاتك وأنت حاقنة مكروهةٌ ولكنها ليست باطلة على كلِّ حالٍ، ومذهب الشَّافعية(3) والحنابلة(4) كراهة ابتداء الصَّلاة وهو يُدافع الأخبثين أو أحدهما، فإن خاف فوات الوقت صلَّى على حاله، فإن صلى دون أن يقضي حاجته صحَّت صلاته مع الكراهة، وإنما قلنا بصِحَّة صلاته هنا- وهو الراجح- لأن النَّهي هنا تعلَّق بفوات فضيلة لا فريضة.
قال عز الدين بن عبد السَّلام في «قواعد الأحكام»: «أن يُنهى عن الشَّيء لفوات فضيلة في العبادة فلا يقتضي الفساد، كالنَّهي عن الصَّلاة مع مدافعة الأخبثين، فإنه يُنهى عن ذلك لما فيه من تشويش الخشوع، ولو ترك الخشوع عمدًا لصحت الصَّلاة»(5). اهـ.
وقال النَّوَوي في «المجموع»: «والمشهور من مذهبنا ومذاهب العُلَماء صِحَّة صلاته مع الكراهة»(6). اهـ.
فاجتهدي في أداء الصَّلاة في وقتها، وينبغي أن تُوطِّني نفسك على أدائها في مقرِّ عملك، وأن تُهيِّئي الظُّروف لذلك، ولا تخجلي من عبادتك لربِّك، ولا تظنِّي أنها ستكون سببًا في إنقاص رزقك أو إقصائك من عملك، فإنني أخشى أن يكون هذا من سوء الظَّن بربك! وإن حدث هذا جدلًا فسيُبدلك اللهُ خيرًا منه.
زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا وهدى وتقى، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «مواقيت الصلاة» باب «إثم من فاتته صلاة العصر» حديث (552)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «التغليظ في تفويت صلاة العصر» حديث (626) من حديث عبد الله بن عمر ب، بلفظ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
(2) أخرجه البخاري في كتاب «مواقيت الصلاة» باب «من ترك العصر» حديث (553) من حديث بريدة بن الحصيب t، بلفظ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
(3) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (4/33): «والمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء صحة صلاته مع الكراهة».
(4) جاء في «الفروع» من كتب الحنابلة (1/486-487): «ويكره ابتداؤها مع مدافعة الأخبثين».
(5) «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» (2/21).
(6) «المجموع» (4/117).