شيخنا الفاضل، المركز الإسلامي بمدينة توسان بأمريكا يقع داخل حدود جامعة أريزونا، ومراعاة لظروف الطلبة والموظفين على حد وصف القائمين على شئون المركز الإسلامي قدموا خطبة الجمعة قبل الزوال بما يقارب 10- 15 دقيقة بدلًا من أن يقلصوا من زمن الخطبة الذي يستمر إلى 40 دقيقة تقريبًا، فما موقف فقهاء الشريعة من أئمة المذاهب من هذه المسألة؟ هل تنعقد الجمعة بهذه الصورة؟ نود تفصيلًا من فضيلتكم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في أول وقت صلاة الجمعة على قولين:
القول الأول: أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر الذي يدخل بزوال الشمس، وهو قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، وعزاه النووي لجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومما استدلوا به على ذلك ما يلي:
أن فريضة الجمعة بدل فريضة الظهر، فهي خامسة يومها وليست فريضة زائدة، فوقتها هو وقت ما كانت بدلًا عنه وهو الظهر، ويؤكد ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومما يدل على ذلك من السنة المطهرة ما يلي:
– حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي الجمُعةَ حين تَمِيلُ الشمسُ. رواه البخاري وبوَّب عليه : بقوله: «باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس»، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث .
– حديث سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال: كُنَّا نُجَمِّعُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمسُ ثم نَرجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.
القول الثاني: تجوز قبل الزوال، يعني أن بداية وقتها يسبق بداية وقت الظهر، وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ومما استدلوا به على ذلك ما يلي:
– عن أنس قال: كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة . وفي لفظ له أيضًا: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم تكون القائلة، فظاهر الحديث أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار أي أوله.
وقد ناقش الحافظ ابن حجر هذا الاستدلال بأن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره، وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدءون الصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت عادتهم في صلاة الظهر في الحر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون، لمشروعية الإبراد، أي تأخير صلاة الظهر حتى يتلطف الجو.
– عن أنس أيضًا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة.
قالوا: إن التبكير يفهم منه فعلها قبل الزوال، وقد نوقش هذا بما نوقش به الحديث السابق، وقوله: يعني الجمعة، يحتمل أن يكون من كلام التابعي الذي روى عن أنس، أو من هو دون التابعي، فهو ليس من كلام أنس؛ لأن الروايات عن أنس أنه كان يبكر بها مطلقًا، كما أخرجه الإسماعيلي، وليس فيه قوله: يعني الجمعة.
– حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: كُنَّا نُصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نَرجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا. قال حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِـجَعْفَرٍ: في أي سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قال: زَوَال الشَّمْسِ.
– وما رواه سهل رضى الله عنه قال: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْـجُمُعَةِ.
– حديث سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال: كُنَّا نُصَلِّي مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْـجُمُعَةَ فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ.
وهذه الأحاديث كما هو ظاهر ليست نصًّا على أن الصلاة كانت قبل الزوال، وإنما قد يفهم منها ذلك، وهي يمكن أن يحملها المخالف على أنها جميعًا محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره، كما ذكر ذلك النووي : للجمع بين الأحاديث من الطرفين، ولما استقر عليه عمل المسلمين قاطبة من أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال.
ولهذا فإن الأصل أن تصلى الجمعة بعد الزوال، ولكن إذا دعت حاجة لصلاتها قبل الزوال كما هو الحال بالنسبة للأقليات المسلمة التي تعيش خارج ديار الإسلام وتمس حاجتها في بعض المواضع إلى هذا التعجيل فلا حرج؛ لأن المسألة في محل الاجتهاد، وهي موضع أخذ ورد بين الفقهاء الأئمة، ومثل هذه المواضع لا ينبغي أن ينكر فيها على المخالف. ونسأل الله التوفيق للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.
بدء خطبة الجمعة قبل الزوال
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 02 الصلاة