حكم حول التكبير الجماعي في العيدين
ما حكم التكبير الجماعي في العيدين؟ لقد أنكر أحد المصلين على ذلك وشدد النكير حتى أوشكت أن تكون فتنة.
أفتونا مأجورين. وجزاكم الله خير الجزاء
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن التكبير الجماعي في العيدين من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل العلم:
• فذهب الشافعي رحمه الله إلى مشروعيته، ومن الأدلة على ذلك:
ما جاء في «صحيح البخاري»: أن عمر رضي الله عنه كان يكبِّر في قبته بمنى، فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرون،ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجَّ مِنى تكبيرًا([1]).
وفي «البخاري» أيضًا: أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما([2]).
وهذا صريح في أن التكبير كان يقع جماعيًّا.
وقد نُوقش هذا الاستدلال بأن المرادَ منها أنهم يقتدون به في أصل التكبيرِ وفي صفته، لا أنهم يجتمعون على التكبير بصوتٍ واحدٍ، كصلاة المأمومين مع إمامهم، فإنهم يُكبِّرون بتكبيره في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»([3]).
ولا شكَّ أنَّ المأموم بعد تكبيرة الإمام لا يجتمع مع غيره مِن المأمومين في تكبيرات الإحرام ولا الانتقال.
قَالَ الشافعي رحمه الله: «فإذا رَأَوْا هِلاَلَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يكَبِّرَ الناس جَمَاعَةً وَفُرَادَى في الْـمَسْجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَالْـمَنَازِلِ
وَمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ- في كل حَالٍ- وَأَيْنَ كَانُوا وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ وَلاَ يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حتى يَغْدُوَا إلَى الْـمُصَلَّى، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حتى يَخْرُجَ الإِمَامُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ. وَكَذَلِكَ أُحِبُّ في لَيْلَةِ الأَضْحَى لِـمَنْ لم يَـحُجَّ، فَأَمَّا الْحَاجُّ فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ»([4]).
•وخالف في هذا بعض أهل العلم، فذهبوا إلى عدم مشروعته،وعلى ذلك مشايخ بلاد الحرمين رحمهم الله
ومن الأدلة على ذلك ما نُقِل- في حَجَّة الوداع- أنَّ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان منهمُ المكبِّر ومنهم المهلِّل ومنهم الملبِّي([5]).
والأَصْلُ فِي العِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ وَأَنْ لَا يعْبَدَ اللهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ.
فقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة: أما التكبير الجماعي فهو بدعة؛ لأنه غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»([6]). اهــ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «الذي يظهر أن التكبيرَ الجماعي في الأعياد غيرُ مشروع،
والسنة في ذلك أن الناس يكبِّرون بصوت مرتفع، كلٌّ يكبر وحدَه». اهــ.
وأفتى بمنعه جمعٌ من المعاصرين؛ منهم: الشيخ الألباني رحمه الله تعالى, والشيخ حمود التويجري رحمه الله كتب رسالة خاصة
في إنكار التكبير الجماعي.
وقد يناقش دليل المانعين بأن كون الصحابة منهم المكبر ومنهم المهلل ومنهم الملبي، لا يمنع من أن يكون فريق منهم يكبرون جميعًا،
وفريق آخر يهللون جميعًا، أو يلبون جميعًا وهكذا، بل هذا هو أقرب إلى الواقع المتخيل.
فالمسألة من مواضع النظر، ومرجع الخلاف فيها إلى فهم الأدلة الواردة في هذا الباب، وليست مراغمةَ الأدلة أو ردَّها.
ولعلي ألتقط التوجيه الذي ورد في مناقشة المانعين لأدلة المجيزين من أن المأمومين يكبرون بتكبير إمامهم، وقولهم:
(ولا شكَّ أنَّ المأموم بعد تكبيرة الإمام لا يجتمع مع غيره مِن المأمومين في تكبيرات الإحرام ولا الانتقال).
أقول: إن انبعاث أصوات المكبرين وهم فرادى سوف يُحدث صوتًا جماعيًّا يخيل لمن يسمعه أن التكبير تكبيرٌ جماعي،
فمن سمع المأمومين يقولون: آمين. لا يخالجه شكٌّ أن التأمين تأمينٌ جماعي؛ وإن كان كل واحد يقول منفردًا آمين.
ولو قيل: إن كلَّ مكبِّر لا يبني على تكبير غيرِه، ولا يتقصَّد مواطأته، بل يبتدئ التكبيرَ من تلقاء نفسه لكان هذا أقربُ إلى فهم موضوع
الفرديَّة في التكبير، وعدم تلبسه بالتكبير الجماعي.
وأيًّا كان الأمر فإن القضية من مواضع النظر ولا تستوجب كل هذا الإنكار. والله الموفق.
والله تعالى أعلى وأعلم.
3) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الإمام يصلي من قعود» حديث (603)، وأصله متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «إقامة الصف من تمام الصلاة» حديث (722)، ومسلم في كتاب «الصلاة» باب «ائتمام المأموم بالإمام» حديث (414) كل من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5) أخرجه مسلم في كتاب «الحج» باب «التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة» حديث (1285) عن محمد بن أبي بكر قال: قلت لأنس بن مالك غداةَ عرفة: ما تقول في التلبية هذا اليوم؟ قال: سرت هذا المسيرَ مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمنَّا المكبر ومنا المهلل، ولا يعيب أحدُنا على صاحبه.
6) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الصلح» باب «إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود» حديث (2697)، ومسلم في كتاب «الأقضية» باب «نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور» حديث (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصلاة الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي
كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي