أنا سمعتُ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يقول: إنه في عهد النبي لم يجد المسيحيون مكانًا يُصلون فيه صلاتهم، ففتح لهم النبي المسجد ليصلوا فيه. فهل هذا صحيح؟ وهل يمكن أن نقول هذه قاعدة عامة؟ وقال شيخ الأزهر أيضًا: إنه فُرض على المسلم الدفاع عن الكنائس. وقال: لأنها يُذكر فيها اسم الله. فهل هذا صحيح؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد نصارى نجران في مسجده، وحانت صلاتهم فصلوا فيه(1)، وذلك عام الوفود بعد نزول قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: 28]، فلم تتناول الآية حَرَم المدينة ولا مسجدها، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في «أحكام أهل الذمة»(2).
فيجوز إنزال غير المسلم في المسجد والتخلية بينه وبين الصلاة فيه إذا رُجيت من ذلك مصلحة، كترغيبهم في الدخول في الإسلام، وتعريفهم بالعبادة ونحوه.
أما كنائس غير المسلمين من المقيمين في دار الإسلام فهي في خفارة المسلمين، وتتمتع بحماية الدولة الإسلامية؛ لأنهم قد بُذلت لهم الذمة على إقرارهم وما يدينون، وعلى ألا يتعرض لهم أحدٌ، وأن يكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فإن تعرض أحد لكنائسهم بسوء وجب على الدولة الإسلامية درء حِرَابته وكَفُّ عدوانه.
وما ذكرناه من كون هذه الكنائس في خفارة المسلمين مؤسس على المبدأ الشرعي الأصيل وهو إقرارهم وما يدينون، ولا علاقة لهذا بما يذكر فيها حقًّا كان أو باطلًا، فإنه لا يذكر الله على التحقيق في دور العبادة إلا في المساجد. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (5/382) عن محمد بن جعفر بن الندي قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دَعُوهُم». فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
(2) «أحكام أهل الذمة» (1/397).