زيارة المسجد الأقصى بين الجواز والمنع

ما هو حكم زيارة المسجد الأقصى من المسلمين في الغرب؟ هذا المسجد الذي تُشد الرحال إليه كما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قلَّ روَّادُه بسبب تضييق الاحتلال على زوَّاره الفلسطينيين.
لقد طاف عليه الصلاة والسلام حول الكعبة والأصنامُ قائمة والكفار يحكمونها(1)؛ إن زيارتنا للقدس تدعم أهل القدس ماديًّا ومعنويًّا.
ونحن لا نتعامل مع سفارة، نستطيع الذهاب عبر الأردن والإقامة تكون مع إخواننا الفلسطينيين في القدس، لا في فنادق الصهاينة.
إن صراعنا صراع وجود، فلِمَ لا نكون موجودين؟ الرجاء إعطاؤنا رأيك في الموضوع.

_____________

(1) فقد أخرج الطبراني في «الكبير» (7/299) حديث (7193) من حديث شيبة رضي الله عنه قال: دخل رسول الله ﷺ الكعبة فصلى ركعتين فرأى فيها تصاوير فقال: «يا شَيْبَةُ اكْفِنِي هَذِه». فاشتد ذلك على شيبة، فقال له رجل من أهل فارس: إن شئت طليتها ولطختها بزعفران. ففَعَل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذه القضية من مسائل النزاع بين أهل العلم، فمَن أجازها نظر إليها باعتبارها دعمًا للانتفاضة والجهاد الفلسطيني؛ لما تتضمنه من تأكيد حق المسلمين في القدس، وربط المسلمين بالمسجد الأقصى، وتقديم الدعم المعنوي والنفسي لسكان القدس، وإظهار ارتباط المسلمين بالقدس أمام العالم أجمع.
وإن عزلة القُدس عن العالم الإسلامي برفض زيارتها تُضعف في نظر العالم ارتباط المسلمين، هذا بالإضافة إلى ما ورد في فضيلة شدِّ الرحال إلى هذا المسجد(1).
ومَن مَنَعها نظر إليها باعتبارها خِذْلانًا للشعب الفلسطيني؛ لما تتضمنه من إقرار بسيادة الاحتلال واعتراف بشرعيَّتِه، ودعوة للتطبيع مع إسرائيل بأخذ التأشيرات من سفارات إسرائيل للدخول، مع ما يُفضي إليه ذلك من الفوائد الكثيرة التي ستعود على إسرائيل من سفر المسلمين إلى فلسطين بتأشيرة إسرائيلية، واستغلال اليهود لذلك إعلاميًّا.
وتدعم رابطة علماء فلسطين هذا الاتجاه، فهي تنتقد بشدة زيارة المسلمين للمسجد الأقصى المبارك في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وترى أن ذلك يُعَدُّ دعوة للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت ذريعة زيارة المسجد الأقصى المبارك ؛ لأن من سيزور المسجد الأقصى سوف يأخذ الإذن من سفارات الصهاينة المهجورة في الدول العربية التي تُقيم (علاقات نجسة) مع الاحتلال، وسيدخل من يدخل إلى فلسطين تحت حراب الاحتلال ووفق أنظمته وتعليماته.
كما تشارك الكنيسة المصرية في هذا الموقف، فهي ترفض زيارة المسيحيين لها إلا بعد تحرير المدينة المقدسة من دنس اليهود!
والذي يظهر لي هو رجحان موقف القائلين بالمنع؛ نظرًا لأن علماء الثغر الذي تريد نصرته يقولون لك: إن هذه الزيارة مُضرَّة بقضيتنا، وأهل مكة أعلم بشعابها!
ويستثنى من ذلك أصحاب الحالات الخاصة، كمن يذهب لزيارة رحم أو لتحصيل أمر ضروري أو حاجي تكون الحاجة فيه ماسة وظاهرة، فتُصبح هذه الحالات استثناءً من القاعدة.
أما فضيلة مضاعفة الأجر في الصلاة فيستطيع المسلم تحصيلها مرحليًّا من خلال شدِّه الرحالَ إلى المسجد النبوي؛ فإن الصلاة فيه بألف صلاة في المساجد العادية، أي أن أجرها ضعف أجر الصلاة في المسجد الأقصى(2). أو المسجد الحرام الذي هو أفضل بيوت الله على الإطلاق، فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد النبوي والمسجد الأقصى(3). والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة» حديث (1189)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» حديث (1397)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْـحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى».

(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة» حديث (1190)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة» حديث (1394)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ﷺ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْـمَسَاجِدِ إِلَّا الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ».

(3) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (3/343) حديث (14735)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ » حديث (1406) من حديث جابر بن عبد الله ب: أن رسول الله ﷺ قال: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (2/13) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/139) وقال: «رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية, 06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend