كلام الله في نصوص التوراة والإنجيل

فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة الشيخ صلاح الصاوي، حفظكم الله تعالى. أسأل الله تعالى أن تكونوا في أحسن صحة وأتم عافية.

محدثكم من لبنان ممن تتلمذ على كتبكم الغراء ونفعه الله بها أيَّما نفعٍ، لا حرمنا الله علمكم ولا منعنا فقهكم.
وأحب أن أسأل سماحتكم سؤالًا لو تفضلتم بالإجابة عليه، والسؤال هو التالي:
لما كنت أدرس في كلية الدعوة في لبنان، كنا نقرأ في مادة الأديان بالإضافة إلى كتب د/ شلبي، كنا نقرأ في التوراة والإنجيل، فكان هناك سؤال يدور في خلدي ما وجدت جوابًا شافيًا من الأساتذة.
والسؤال حول الوارد في الإنجيل والتوراة، فنرى أنهما عبارة عن قصص يتخللها بعض المواعظ للسيد المسيح أو لغيره من الأنبياء عليهم السلام، ولكن مجملهما قصص.
ومن المعلوم أن شيخ الإسلام يذهب إلى كون أكثرهما غير محرف، وعلى هذا يكون السؤال: أين كلام الله فيهما؟
والناظر يرى أنهما قصص مخلوطة بمواعظ، هل يكون كلام الله فيهما هو ما يرويه السيد المسيح مثلًا عن ربِّه أو كلام نفسي صاغه السيد المسيح مثلًا مواعظ وإرشادات؟ لماذا لا نجد النظم ذات المرجعية السماوية المباشرة فيها كما في القرآن؛ حيث نجد الخطاب الإلهي واضحًا مباشرًا صريحًا في مصدره الإلهي؟ فأين نجدُ هذه المرجعية الواضحة الصريحة فيما لم يُحرَّف من التوراة والإنجيل وهو قصص وسيرة؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن ما بقي بأيدي القوم من دينهم وكُتُبهم باطلة أضعاف أضعاف حقه، وحقه منسوخ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «الجواب الصحيح»:
«والمقصود هنا أنه ليس مع النصارى نقل متواتر عن المسيح بألفاظ هذه الأناجيل، ولا نقل لا متواتر ولا آحاد بأكثر ما هم عليه من الشرائع، ولا عندهم ولا عند اليهود نقل متواتر بألفاظ التوراة ونبوات الأنبياء كما عند المسلمين نقل متواتر بالقرآن وبالشرائع الظاهرة المعروفة للعامة والخاصة.
وهذا مثل الأمانة التي هي أصل دينهم، وصلاتهم إلى المشرق، وإحلال الخنزير، وترك الختان، وتعظيم الصليب، واتخاذ الصور في الكنائس، وغير ذلك من شرائعهم، ليست منقولة عن المسيح، ولا لها ذكر في الأناجيل التي ينقلونها عنه.
وهم متفقون على أن الأمانة التي جعلوها أصل دينهم وأساس اعتقادهم ليست ألفاظها موجودة في الأناجيل، ولا هي مأثورة عن الحواريين.
وهم متفقون على أن الذين وضعوها أهل المجمع الأول الذين كانوا عند قسطنطين، الذي حضره ثلاثمائة وثمانية عشر، وخالفوا عبد الله بن أريوس، الذي جعل المسيح عبدًا لله كما يقول المسلمون، ووضعوا هذه الأمانة، وهذا المجمع كان بعد المسيح بمدة طويلة تزيد على ثلاثمائة سنة»(1).
وقال ابن القيم : في كتابه «هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى»:
«وقولهم: إنَّ نُسَخَ التوراة متفقة في شرق الأرض ومغاربها. كذب ظاهر، فهذه التوراة التي بأيدي النصارى تخالف التوراة التي بأيدي اليهود، والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه، وهذه نُسخ الأناجيل يخالف بعضها بعضًا ويناقضه. فدعواهم: أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقًا وغربًا من البُهت والكذب الذي يروِّجُونه على أشباه الأنعام، وأن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعًا أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى، وأن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعًا أن ذلك ليس في الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح»(2).
وقد تكون بقِيَت فيهما بعض المعاني الصحيحة التي تنسب من حيث المعنى إلى الوحيِ المعصوم إذا شهد كتابنا بصحَّتها، وليس بالضرورة أن تكون قد بقيت بألفاظها كما تلقاها السيد المسيح أو كما عبر عنها بنفسه. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «الجواب الصحيح» (2/406).
(2) «هداية الحيارى» ص48.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 الإيمان بالكتب المنزلة.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend