حول تسخير الإنسي الجنَّ والملائكةَ

سؤالي عن: هل الإنسان ممكن أن يكون معه شيء من الملائكة؟
أي أننا نسمع عن ناسٍ يقومون بعمل تسخير الجن، وهناك جن مسلم وجن غير مسلم، ويستعان بهم في فك السحر والعلاج. ونسمع عن ناسٍ معهم ملائكة، ويقومون أيضًا بالعلاج وفك السحر وغيره من الأعمال. فهل هذا صحيح أم لا؟ وهل هم قادرون على تسخير الملائكة لهذة الأعمال؟ وهل صحيحٌ أن ربَّنا -عز وجل- يُنزِّل الملائكة على من يشاء من عباده لذلك؟ وجزكم الله عنا خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فيبعد القول بتسخير الجن المسلم؛ لعسر التفريق بين المسلم وغير المسلم من الجن، وهم عالم خفي لا اطلاع لأحد على أحوالهم ولا ثقة له بما يزعمونه بأفواههم.
وقد ادعى أحد الجن لأبي هريرة أنه فقير وذو عيال عندما أمسك به وهو يأخذ من الصدقة، وكان يكذب عليه في ذلك، وتكرر كذبه عليه عدة مرات كما جاء في «صحيح البخاري»(1).
ومن ناحيةٍ أخرى فإن هذا الأمر قد اختصَّ الله به نبيه سليمان، كما قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ *  يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ [سبأ: 12- 13]، مع قوله تعالى عن نبيِّه سليمان: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: 35].

ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْـجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْـمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ:» ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا»». رواه البخاري ومسلم(2).

ولو كان في هذا الذي تذكره خيرٌ لأمكن الله منه نبيَّه وأصحابه، فقد سُحِر النبي -صلى الله عليه وسلم-(3) ولم يلجأ إلى الجن ليستعين بهم في معرفة مكان السِّحر، رغم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُخاطِب الجن أحيانًا ويدعوهم إلى الإسلام.
فننصحك بالبعد عن متابعة الأدعياء في هذا الطريق أو الإصغاء إليهم. ونسأل الله لنا ولك التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الوكالة» باب «إذا وكل رجلًا» حديث (2311) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: وكَّلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذتُه وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: إني محتاجٌ وعليَّ عيال، ولي حاجةٌ شديدة. قال: فخلَّيتُ عنه، فأصبحتُ فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟» قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدة وعيالًا، فرحمته فخليت سبيله. قال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ». فعرفتُ أنه سيعود لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ سَيَعُودُ»، فرصدتُه فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمتُه فخليتُ سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله. قال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ». فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذه آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أُعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها. قلت: ما هي؟ قال: إذا أَوَيْتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تُصبح. فخليتُ سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟» قلت: يا رسول الله، زعم أنه يُعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها فخليت سبيله. قال: «مَا هِيَ؟»، قلت: قال لي: إذا أَوَيْت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح- وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير- فقال النبي ﷺ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟». قال: لا. قال: «ذَاكَ شَيْطَانٌ».

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «الأسير أو الغريم يربط في المسجد» حديث (461)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة» حديث (541)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «بدء الخلق» باب «صفة إبليس وجنوده» حديث (3268)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «السحر» حديث (2189).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الإيمان بالملائكة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend