من هم الخوارج؟ وما هي عقائدهم ومنهجهم؟ ثم ما حكم من قتل عليًّا وعثمان وطلحة وغيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ؟ أفيدونا في الأمر، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الخوارجَ فرقةٌ من فرق الضلالة، وقد سُمُّوا بذلك لخروجهم على علي بن أبي طالب، وقد كانوا من أشدِّ النَّاس بغيًا على الأمة وقتالًا لها وخروجًا على جماعتها، فقد أجمع الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب رضوان الله عليه لأنه قَبِلَ التَّحْكيم، وأجمعوا على تكفير أصحاب الكبائر وتخليدهم في النَّار، وهم لا يقولون بعذاب القبر، ولهم طوام أخرى لا يتسع المقام لتفصيل القول فيها.
وللخوارج ألقاب، فمن ألقابهم: الحروريَّة، ومن ألقابهم: الشراة، ومن ألقابهم: المارقة، ومن ألقابهم: الـمُحكِّمة. وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة، فإنهم يُنكرون أن يكونوا مارقة من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة، وقد وصفهم النَّبيُّ ﷺ بقوله: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَـهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْـجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَـهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ ﷺ لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ». رواه البخاري، ومسلم واللَّفْظ له(1).
ومما جاء في السُّنَّة أيضًا من وَصْفهم قولُه ﷺ: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ(2)، هُمْ شَرُّ الْـخَلْقِ وَالْـخَلِيقَةِ، طُوبَى لِـمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ الله وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِالله مِنْهُمْ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ». رواه البخاري ومسلم، وأبو داود واللَّفْظ له(3).
وقَتْل علي أو عثمان رضي الله عنه من أغلظ الكبائر، ويكفيك في تغليظ أَمْر القتل بصفةٍ عامَّة قولُه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
وأهل السُّنَّة على أن أصحاب الكبائر في خطر المشيئة: إن شاء الله عذَّبهم وإن شاء غفر لهم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
أما ما وقع بين الصحابة أنفسهم من اقتتال في الفتنة فمذهب أهل السنة إمساك ألستنهم عما شجر بين أصحاب النبي ﷺ، وإحسان الظن بهم جميعًا، والترضي عنهم جميعًا، فقد كانوا متأولين في ذلك، وهم بين مأجور مرتد لاجتهاده وإصابته الحق، أو مأجور مرة على اجتهاده وإن أخطأ. وهم لا يعتقدون عصمة الصحابة ولكنهم يقولون: إن أعمالهم تدور بين كونها ذنبًا مغفورًا أو سعيًا مشكورًا.
وفقنا االله وإياك إلى سلوك طريق الراشدين وتجنب سبيل المبطلين والزائغين. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» باب «قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم» حديث (6930)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «التحريض على قتل الخوارج» حديث (1066)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
(2) أي: موضع الوَتَر من السهم، وهذا تعليق بالمحال؛ فإن ارتداد السهم على الفُوقِ محالٌ، فرجوعهم إلى الدين أيضًا محالٌ. انظر «عون المعبود» للعظيم آبادي (13/78- 79).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «علامات النبوة في الإسلام» حديث (3610)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «ذكرالخوارج وصفاتهم» حديث (1064). وأبو داود في كتاب «السنة» باب «في قتل الخوارج» حديث (4765) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .