ما الحكم في الوساوس التي تَرِدُ إلى الإنسان في خاطره وهو يكرهها ويحاول جاهدًا أن يمنع نفسه من التفكير فيها؟ فهل هو محاسبٌ عليها؟ خاصة أنها تأتي في العقائد والذَّات الإلهية. وهل إذا تلفَّظ بكلماتٍ عادية ودارت في نفسه أشياء أخرى سيئة، فهل يتمُّ الربط بين ما نطقه وما في خاطره، أم أن هذا يعتبر أيضًا حديث نفسٍ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد تجاوز لهذه الأمة عما حدَّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلَّم به، ووجود هذه الهواجس ومدافعتها واستعظامها وشدة الخوف منها وبقاؤك على إيمانك دليلٌ على حسن الإيمان إن شاء الله. فقد روى مسلمٌ في «صحيحه» عن أبي هريرة قال: جاء ناسٌ من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلَّم به؟ قال: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قالوا: نعم. قال: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ».
قال النوويُّ في شرحه لهذا الحديث: فقوله صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» و«مَحْضُ الْإِيمَانِ» معناه: استعظامكم الكلامَ به هو صريح الإيمان؛ فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلًا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمانَ استكمالًا مُحقَّقًا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
وقال الخطابي :: «المراد بصريح الإيمان هو الذي يعظم في نفوسهم إن تكلَّموا به، ويمنعهم من قبول ما يُلقي الشيطان، فلولا ذلك لم يتعاظم في نفوسهم حتى أنكروه، وليس المراد أن الوسوسةَ نفسها صريحُ الإيمان، بل هي من قبل الشيطان وكيده».
وبكلام الخطابيِّ هذا يُعلم أن الذي دلَّ على صحة الإيمان هو تعاظم هذه الوساوس وردُّها، وأن عدم تعاظمها والسماح للنفس بالاسترسال فيها يدلُّ على ضعف الإيمان. والله تعالى أعلى وأعلم.
حديث النفس حول الأمور العقدية والذات الإلهية
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 03 العقيدة