شيخنا الفاضل، آسف على استهلاك بعض الدقائق من وقتكم الثمين، ولكن جاءني سؤال مركب اليوم من أحد الإخوة فنرجو منكم بيان الجواب عليه أو دلالتنا على فتوى المجمع إن كان قد بحث المسألة.
والسؤال: ما القول في ثياب الأطفال الصغار التي عليها صور كرتونية أو حيوانية؟ وكذلك قضية الألعاب التي تكون في صورة مخلوقات مجسمة؟
أنا أعلم أن أقل ما يقال في هذا كله هو التورع عنه، لكن كما تعلمون: هذه المنتجات مما قد عمت به البلوى، ولا يكاد يوجد البديل عنها، وحتى لو سعى الأب في الحرص على شراء المنتج الخالص، فإن الأطنان من الملابس واللعب المصورة ستأتي عليه في صورة هدايا من الأقارب لقلة الفقه بمثل هذه الأمور؛ فهل يتلف الكل؟
وكذلك سؤال قريب منه: ما حكم اللعب التي تحوي نغمات موسيقية؟ ومثلها آلات تنويم الرضيع بالنغمات مرة أخرى في ظل انعدام البديل، فقد يشق على الأم أن تصبر على بكاء الرضيع طوال الوقت.
طبعا، سؤالي يتعلق بالمسلمين في بلاد الغرب فقط.
وكما ذكرت لفضيلتكم، أنا أعلم حرمة هذه الأمور في الأصل، لكنني لا أريد أن أسرع في تحريمها على الناس، خصوصًا عندما أتذكر أن العلماء قد أجازوا الأفلام الكرتونية الهادفة ومتابعة نشرات الأخبار على ما فيها من موسيقا للضرورة. وجزيتم خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد علمت أيها المبارك النهيَ عن تصوير ذوات الأرواح(1)، ويستتبع ذلك النهي عن اتخاذها، اللهم إلا ما مست الحاجة إليه كالتصوير في المجال الأمني أو التعليمي أو الدعوي ونحوه.
وبالجملة متى تضمنت الصورة مصلحة واضحة ولم تعارض بمفسدة راجحة، وقد رأيت ما تفعله الصورة الإعلامية الآن من نقل أخبار المجازر التي يرتكبها الطغاة بشعوبهم إلى العالم أجمع، وقد كان يقع ذلك فيما مضى همسًا ولا يسمع به أحد، ودماء عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء والشهداء المظلومين.
ولو رجعنا إلى موضوع سؤالك خاصة، وهو ما يكون على ملابس الأطفال من نقوش وتصاوير، فإن المحكم من ذلك أمران:
أولهما: أنه لا يجوز صنع هذه الملابس التي تتضمن هذه الصور بأيدي المسلمين استصحابًا للنهي الوارد في ذلك.
ثانيهما: إن كانت الصور مقصودة لذاتها، وكان اتخاذ هذه الملابس لما فيها من صور فإن ذلك لا يجوز، لاسيما إذا كانت صورًا لكفار أو فجار أو أو لنساء متبرجات كاسيات عاريات.
أما ما لم يكن كذلك فإن هذا موضع النظر، نظرًا لعموم البلوى به.
والذي أراه أنه مع استصحاب فضيلة التورع التي أشرت إليها فإنه يترخص فيها عند الحاجة؛ وذلك لأمرين:
أولهما: ما ذكرت من عموم البلوى.
وثانيهما: أن هذه الصورة بوضعها على الثياب التي توطأ ويجلس بها على الأرض ويدخل بها إلى الخلاء تكون ممتهنة، وما كان ممتهنًا من هذه الصور في بساط أو وسادة أو نحوه فلا حرج فيه، وإنما المحرم من ذلك ما كان على هيئة توحي بتعظيمه كتعليقه على الحائط أو نصبه في المجالس أو نحو ذلك.
ويؤكد هذا المعنى ما رواه مسلم في «صحيحه»: أن عائشة ل قطعت سترًا لها كان فيه تصاوير، وجعلته مرفقتين يرتفق بهما رسول الله ﷺ(2)، وحديث: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ»(3) فقد استثنى هذا الحديث ما كان من هذه الصور على الثياب التي تُمتهن باللبس ونحوه، وهذا الحديث وإن كان قد حمله بعض أهل العلم على ما كان من ذلك على غير صور ذوات الأرواح، ولكن ذلك موضع نظر؛ لأن ما كان على غير صور ذوات الأروح يحل مطلقًا، سواء أكانت على ثوب أم كانت على غيره.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى هذا السؤال: كيف تتصرف الأم إذا كانت ملابس الأطفال وأغطية السرير التي حصلت عليها فيها صور؟ توجد الكثير من الصور الصغيرة على البطانيات خصوصًا، ولا يمكن طمس تلك الصور كلها.
فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله: نرى أنه يجوز استعمالها عند الحاجة، وذلك لأنها تعتبر ممتهنة، والصور إذا كانت ممتهنة لا يُمنع من استعمالها عند الحاجة، ونرى بعد ذلك ألا تشتري مثل هذه الفرش والأكسية التي فيها صور، فيوجد غيرها مما هو خالٍ من تلك الصور.
وقال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (2/203): ما عمَّت به البلوى الآن، من وجودِ الصورِ في كلِّ شيءٍ إلا ما ندرَ، فتوجدُ في أواني الأكل، وفي الكراتين الحافظةِ للأطعمةِ، وفي الكتب، وفي الصحفِ، فتوجد في كل شيء إلا ما شاء الله، ويوجد أيضًا صورٌ مما يؤكل: بسكوت على صورة سمك، أو أرنب؟ نقول: إن اقتناءَ الإنسان للصور (بمعنى لأَجْل ما فيها من الصور) لا شك أنَّه محرم، أو كان يشتري المجلاتِ التي تنشر فيها الصورُ للصورِ، فهذا حرام، أما إذا كانت للعلمِ والفائدةِ والاطلاعِ على الأخبار، فهذه أرجو ألا يكونَ بها بأس، نظرًا للحرجِ والمشقة، وقد قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] فهذه الصورُ ليست مقصودةً للإنسان حالَ الشراء، ولا تهمه، كما أن مسألةَ الأواني والكراتينِ التي فيها أطعمةٌ وشبه ذلك، قد يقال: إن فيها شيئًا من الامتهان، فلا تكون من القسمِ المحرَّم. انتهى.
أما عن القسم الثاني من سؤالك عن اللعب التي تحتوي على بعض الفواصل أو الخلفية الموسيقية، فإن لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا كما تعلم قرارًا في هذه القضية أصدره في دورة انعقاد مؤتمره السادس بمونتريال أسوقه لك بنصه إكمالًا للفائدة:
سادسًا: حول الانتفاع بالبرامج المرئية أو المسموعة النافعة التي قد تشوبها بعض المخالفات:
* الأصل في المعازف المنع، لكونها من المحرمات أو من المشتبهات على أدنى تقدير، ويستثنى من ذلك الدف في الأعراس ونحوها، ويرخص في الانتفاع بما أعده الآخرون من البرامج العلمية والوثائقية أو التاريخية الهادفة أو الأفلام الكرتونية النافعة بالنسبة للأطفال، وإن شابها شيء من المعازف التي لا تحرك الشهوات ولا تثير الغرائز، نظرًا لعموم البلوى، وندرة البدائل المتاحة، وتفريقًا بين السماع والاستماع، عندما لا تكون هذه الموسيقا المصاحبة مقصودة في ذاتها، ولا يُصيخ إليها المشاهد بسمعه، ولا يُلقي لها بالًا، فهي أشبه بالفواصل الموسيقية في نشرات الأخبار التي اتفق السواد الأعظم على الترخص في سماعها ومشاهدتها، مع التنبيه على حكم المعازف وتقليلها ما أمكن. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) سبق ذكره وتخريجه المصورين يوم القيامة» حديث (5951).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتًا فيه صورة ولا كلب» حديث (2107).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «من كره القعود على الصورة» حديث (5958)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتًا فيه صورة ولا كلب» حديث (2106)، من حديث أبي طلحة رضي الله عنه .