هل يجوز التحدُّث مع صديقة مقربة لنفسي عن مشاكلي الشخصية؟ وهذا لتخفيف العبء النفسي واستشارتها. مع العلم أن لا أجعل هذا هو الأساس ولكن أحيانًا تحتاج أن تتكلم مع شخص موثوق فيه. جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الشكوى إن كانت من شخص بعينه فإنها على أصل المنع لما تتضمَّنه من ذكر معايبه وذلك من الغيبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره»(1).
لا يستثنى من ذلك إلا ما صحَّت الأدلة باستثنائه من الغيبة المحرمة، وقد تحدَّث أهلُ العلم عن ستَّة مواضعَ تباح فيها الغيبة، وهي:
الأول: التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى ذي سلطان ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الثالث: تحذير المسلمين من الشرِّ، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين.
ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئًا معيبًا، أو شخصًا يصاحب إنسانًا سارقًا أو زانيًا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الرابع: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
الخامس: الاستعانة على تغيير المنكر، كأن يقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفًا بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج- جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به على سبيل السخرية والتنقص.
وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم، وغيره(2).
وبناءً على ذلك فما لم تكن لك نيةٌ مشروعة في هذه الفضفضة بحيث تندرج تحت واحدة من هذه المواضع؛ كأن يكون ذلك على سبيل طلب النصيحة أو إسدائها لمن تشتكين منه ونحوه- فإنها لا تحل.
أما مطلق الشكوى في حدِّ ذاتها إذا لم يُعيَّن فيها شخصُ المشكو منه، أو إذا كانت من وجيعة نزلت بك ونحوه، فهي محل تفصيل:
إن كانت على سبيل التسخُّط على أقدار الله عز وجل، والجزع مما نزل بالمرء فهي محرمةٌ.
وأمَّا ما كان على خلاف ذلك كإخبار صديق أو قريب ونحوهما بالحال فلا حرج فيها، وإن كان كتمان الشكاية أولى وأجره أعظم؛ ففي البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وارأساه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ». فقالت عائشة: وَا ثُكْلِيَاهْ، والله إني لأظنك تُحِبُّ موتي. ولو كان ذلك لظللت آخرَ يومِكَ معرسًا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ…» الحديث(3).
وقد بوَّب البخاري في «صحيحه» بابًا تعرض فيه لتلك المسألة فقال رحمه الله: باب: قول المريض: إني وجع، أو: وارأساه، أو: اشتدَّ بي الوجع، وقول أيوب {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].
فلا حرج على المسلم في أن يشتكي وأن يصفَ حاله بالقول أو بالكتابة؛ ما لم يكن في ذلك اعتراضٌ على مقدور أو تأفُّف بمكتوب قضاه الله على عبده. وقد قال نبي الله أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].
وصفوة القول أن الشَّكوى المطلقة ليست مندوبًا إليها ولا ينهى عنها لمن احتاج إليها ولم يصل إلى مرحلة التضجُّر، والتسخط من قدر الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الغيبة» حديث (2589) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (16/142).
(3) أخرجه البخاري في كتاب «المرضى» باب «قول المريض: إني وجع. أو وا رأساه. أو اشتد بي الوجع. وقول أيوب عليه السلام: إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين» حديث (5666).