الدعاء على النفس بالموت

في البداية أشهد الله أني أُحبك في الله ومطمئن في إجابتك، شيخي الفاضل أنا شاب أذنبُ ثم أعود إلى ذلك الذنب مرات عديدة، وأعاهد الله على تركه، لكنني أعود إليه مرةً أخرى، وفي ليلة البارحة عدت لذلك الذنب لكني ندمت ُندمًا شديدًا، فتوضأت للصلاةِ، وأنا في السجود دعوت ُالله وقلت: اللهم إن كنتَ تعلمُ أن لي سوء خاتمة فاقبضني إليك الساعة، أقسم عليك أن تقبضني الساعة.
فأحسست بداورٍ شديد وضاق نفَسي، فخفت أن يكون الموت، فاستعجلت في الصلاة وأنا خائف أنني سأموت، فتذكرت أولادي وقلت: يا رب تُبْ عليَّ وأطل في عمري.
فسؤالي يا شيخ: ترى هل لي من توبة، فوالله إنني من كثرة ذنوبي وعودتي واستمراري على نفس هذا الذنب ومعاهدتي لله ومن ثم أعود، أحس أني أغالط الله، بل إني أكتب إليك والدمع والله يترقَّق من عيني خوفًا أن الله قد غضب عليَّ ولم ينظر إليَّ ويستجب ويقبل توبتي، وإني أشهد الله وأشهدك أني تبتُ من ذلك الفعل.
وسؤالي الثاني: هل اقترفت ذنبًا في دعائي بقبض روحي، ومن ثم استعجالي في الصلاة؟ ماذا يعني هذا شيخي؟ وأستحلفك بالله يا شيخ أن تدعو لي بالإقلاع من هذا الذنب والتوبة والثبات، وفقنا الله وإياك شيخي الفاضل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله يا بنيَّ أن يطهر قلبك، وأن يغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يأخذ بناصيتك إلى ما يحبه ويرضاه.
لا ينبغي لك يا بني أن تدعو على نفسك بالموت، فإن كنت محسنًا فلعلك أن تزداد إحسانًا، وإن كنت مسيئًا فلعلك أن تُستعتب، فإن كنت لابد فاعلًا فلتقل: اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أن تحييني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وأن تتوفني ما علمتَ الوفاة خيرًا لي(1).
ولا يزال ربك يغفر لعباده يا بني ما داموا يستغفرون، ولا يزال ربك توابًا على عباده ما داموا يتوبون، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] فإياك أن تقنَط من رحمة ربك، فلعل هذا القنوط- عافانا الله وإياك منه- أن يكون أسخط لله من الذنب الذي تغلبك نفسك وتحملك على معاودته!
جدد العزم يا بني على التوبة، واجتنب الوحدة وخلان السوء، واعمر خاطرك بخشية الله، ولا يزال لسانك رطبًا بذكر الله(2)، وأكثر من الدعاء والاستغفار، وأحسن الظن بربك، وأرجو أن تجد من لطائف ربك ورحماته ما يطيب به خاطرك وتقَرُّ به عينك بإذن الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «المرضى» باب «تمني المريض الموت» حديث (5671)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «كراهة تمني الموت لضر نزل به» حديث (2680)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْـمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَابُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْـحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي».
(2) سبق ذكره وتخريجه 17716.

 

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend