الدعاء على النفس بالموت على الكفر

أنا مريضة منذ فترة طويلة بمرض الوسواس القهري، أعاني من المرض في الصلاة والوضوء والأفكار الدينية، تعبت كثيرًا على مدى سبع سنين، وما زلت أعاني من المرض، في مرة من المرات- وهذا حصل مؤخرًا- وقبل أن أصلي أردت ألا أعيد الصلاة وأن أنهيها من غير التفات لوساوس الشيطان وإعادتها؛ لأنني كنت قد تعبت من قطع الصلاة بشكل متكرر لشكِّي المبالغ به، ولوسوسوتي في الصلاة دعوت على نفسي بأن أموت على الكفر إن قطعت الصلاة فقلت: يا رب أموت كافرة إذا قطعت الصلاة. معتقدة أن هذا قد يمنعني من قطع الصلاة ومحاولة مني لإجبار نفسي على عدم الالتفات للوسوسة.
المشكلة أنني قطعت الصلاة، وهذا الدعاء دعوته في وقت ما بين الأذان والإقامة، سؤالي هو: هل من الممكن أن يستجيب الله دعائي هذا على نفسي بالموت على الكفر؟ أنا جدًّا خائفة، وصرت أفكر في هذا الأمر طيلة الوقت، لم أعد أُريد أن أعيش، خائفة من أن يستجيب الله دعائي فأموت فعلًا على الكفر فأخسر آخرتي وأصبح مخلدة في نار جهنم.
من فضلكم أرجوكم أرجوكم أجيبوني: هل من الممكن أن يستجيب الله دعائي على نفسي بالموت كافرة؟ أرجو الإجابة على سؤالي.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يمسح عليك بيمنيه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية.
واعلمي يا أمة الله أن الله جل وعلا لم يفصل شرائعه من صلاة وصيام ونحوهن ليُشقي به عباده، بل فصلها لهم لتكون لهم هدى وشفاء ورحمة، لتكون قرة أعينهم وليتذوقوا بها حلاوة الإيمان.
فاخرجي من هذه المحرقة، واتبعي وصفة أهل العلم لك: اطرحي الوسواس لا تلتفتي إليه، أتظنين أن الشيطان الذي يُزيِّن لك إعادة الصلاة حريص على صحة صلاتك وعلى براءة ذمتك من تبعتها بالتيقن من أدائها على وجه صحيح كامل؛ ولهذا يوسوس لك إدمان إعادة الصلاة على هذا النحو المرضي؟! لا ورب البيت، بل إنه يُبغِّض إليك عبادة ربك بهذه الوسوسة، فلا تكوني عونًا للشيطان على نفسك.
وأما دعاؤك على نفسك على هذا النحو فقد أخطأت خطأً بيِّنًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم  فيما رواه أبو داود والنسائي عن بريدة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ (عقوبة له على كذبه)، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلَامِ سَالِـمًا»(1).
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»(2).
قال الحافظ في «الفتح»: «غير ملة الإسلام، صفة له، كأن يقول: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني. وقال القسطلاني في قوله: «فَهُوَ كَمَا قَالَ»: ظاهره أنه يكفر بذلك. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم»(3).
وعلى كلِّ حال نرجو أن تشفع لك معاناتك عند الله، وأن يصرف الله عنك سوء هذه الدعوة، ولكن لا تعودي إلى مثلها يا أمة الله، ودواؤك في الانقياد للشرع بطرح الوسواس، وليس في الدعاء على نفسك على هذا النحو المهلك.
ثم ننصحك بالتماس دواء لعلتك عند بعض الأطباء المتخصصين، فـ «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»(4). ونسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (3258)، وحسنه ابن حجر في تخريج المشكاة (3/361).
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (6105)، ومسلم (110).
(3) «فتح الباري» (11/563- 539).
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/413) حديث (3922)، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» حديث (3438) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/50) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend