التوبة من الزنى

لا أدري من أين أبدأ حكايتي، بدأت منذ سنتين حيث تعرَّفتُ على شخص عن طريق الإنترنت وكنت مغتربة وأدرس في دولة أخرى وحدي.
بدأت القصة بصداقة ثم حبٍّ، وطلبتُ منه الزَّواجَ أكثر من مرة ورضيت أن أكون معه بدون أية متطلبات؛ لأنني أحببتُه بصدقٍ، علمًا بأنني مطلقة وعانيتُ في زواجي السَّابِق ورأيت فيه العوضَ والسَّنَد، ولكنه رفض بحجة أنه مُتزوِّجٌ وأولاده صغارٌ وقد يؤثر ذلك عليهم.
وإنني قد صبرتُ على أمل أن يزيدَ حبُّه لي مع الأيَّام ويوافق على الارتباط، ولأنني كنت وحيدة وأحببتُه كثيرًا في هذه الفترة كان تواصُلنا على النت فقط، وتخلَّله بعضُ الأخطاء في المايك والكاميرا.
ثم تعبتُ وانفصلتُ عنه وتبتُ إلى الله وحاولتُ نسيانه، ولكني مرضتُ وبدأت العلاج النفسيَّ والمهدئات، واستمرَّ انقطاعنا سبعة أشهر، ولكني كنت مجروحة كثيرًا لأنه تركني رغم أنه استمرَّ في إرسال الإيميلات خلالها.
المهم الطامة الكبرى وقعت عندما أردتُ أن أراه في الواقع حتى أتخلص من هذا الحلم السخيف والأحلام التي كانت تُراودني ليلَ نهارَ، وطلبتُ مقابلته، ولكنه أصرَّ على حبِّه ووعدني بمحاولة إصلاح وَضْعه، وطلب أن أُعطيه فرصة وسوف نتزوَّج.
صدَّقتُه ووافقت على مقابلته مرة أخرى؛ حيث إنني سأسافر وربما لن نرى بعضنا لفترة طويلة، وكانت هذه هي المرة الأولى التى يراني فيها بعيدًا عن النت، ذهبت على أن نلتقيَ في مكان عام، ولكنه أصر على مكان خاصٍّ وبعدها على خلاء، وبعدها أن يراني.
وكنهاية طبيعية استدرجني ووقعنا في الفاحشة، ولكي أكون صادقة لم يكن غصبًا عني إلا في الإيلاج، أنا لا أبرئ نفسي، ولكني كنت أقاومه طول الوقت وهو يضغط بعدة وسائل؛ ولأنني أحبه كثيرًا وبعد عدة أيمان ووعود منه بأن يحافظ عليَّ وأننا سنذهب للكلام فقط وثقت فيه واستسلمتُ ولم أنتبه إلا وقد وقع المحظور.
أنا في أشد الندم على ما جرى ولم أنوِ أيَّ شيءٍ منه والله يعلم ذلك، ولا أدري كيف وصلتُ إلى هذا الوضع رغم أنني من أسرة محافظة جدًّا وأتقي الله دائمًا. أريد أن أتطهَّر وأتوب.
لقد سافرتُ وتركت البلادَ ولا أنوي العودة إليها أو إليه حتى لو طلب الزَّواج مني، أرجوك أخبرني ماذا أفعل حتى يتوبَ الله عليَّ وكيف أتوب توبة نصوحًا؟ أخشى عقاب الله لي وأخاف على أهلي أكثر من خوفي على نفسي، وأعرف أن ذنبي كبيرٌ، هل سيغفر الله لي؟ أرجوك أخبرني.
وإذا حصل حملٌ رغم أنه لم يحصل إنزالٌ نهائيًّا لأنه عندما غافلني دفعتُه بقوة وتركته، هل أتخلَّص منه في أوله أو أتحمله وأعتبره عقابًا من الله رغم أنني لن أستطيع الحفاظَ عليه وأنا في بلاد غربة؟
وأخاف على أهلي من الخبر، ولا أدري هل سيعترف به أم لا أريد أن أتطهَّر فأنا في ضياعٍ تام ولا أستطيع التحدُّث مع أحد، وأرجو أن تدلُّوني على الطَّرِيق والحلول للمشكلة كاملة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فصدق اللهُ العظيم: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، ولم يقل فقط ولا تزنوا، بل قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾، وصدق الله العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾  [النور: 21].
لقد سوَّل لك الشَّيطانُ وأمْلَى لك ولهذا الرجل حتى أوقعكما في حبائله، ولعله الآن ينظر إليكما بعيونٍ ملؤها الشماتة، وبنفسٍ ملؤها النشوة والزهو بهذه الجولة التي كسبها، وتركك بعدها تتجرَّعين مرارة الأسى وتحترقين بنيران الندم، وجحيم التفجُّع والتوجع.
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *  وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: 60- 62]، تعلمين أن لحظةَ الزنى لحظةُ انسلاخٍ من الإيمان؛ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(1)، فإذا انخلع من المعصية وراجع عاد إليه إيمانه.
والتَّوْبة معروضة، وإن من رحمة الله عز وجل  أنه لا يُقنط نادمًا من رحمته، ولا يُيئس تائبًا من عفوه، فهو أهلُ التقوى وأهل المغفرة، وهو الذي يقبل التَّوْبة عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات، ولو بلغت ذنوبُ عبدٍ من عباده عنانَ السماء ثم استغفر ربَّه وتاب إليه توبةً نصوحًا فإنه يتوب عليه (2)، رحمة منه وفضلًا، وحنانًا منه ومنًّا.
ولعلك تتعظين بهذا النداء العلويِّ الذي يسكب في قلوب المعذَّبين بردَ السكينة، ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [الزمر: 53- 54].
التَّوْبة يا بنيتي بين يديك، بابها قد فتحه الله سبحانه وتعالى فلا يستطيع أن يغلقه بشرٌ، فبادري إلى التَّوْبة، واغسلي بدموع الندم عارَ هذه الخطيئة، وأصلحي ماضيك بالندم، وحاضرك بالإقلاع عن الذُّنُوب والمعاصي، ومستقبلك بالعزم على عدم العودة إلى شيءٍ من ذلك، وأكثري من قراءة القُرْآن وفعل الطاعات، والاستغفار في الأسحار والصَّلاة بالليل والناس نيام، اقطعي صلتك بهذا الذئب، اعمري وقتك بعبادة الله جل جلاله واحذري فتنة الفراغ، وتجنَّبي كلَّ أسباب الغواية، أعيدي النَّظَر في بقائك وحيدةً في دار الغربة فقد كان هذا من عوامل الفِتْنة، واكتمي خبرَ هذه النَّازلة، فخيرٌ لمن أصاب شيئًا من هذه القاذورات أن يستتر بستر الله عليه(3)، و«إن النَّاس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، وإن الله يغير ولا يعير»(4).
أمَّا الحَمْل فإن تبيَّن أنك حاملٌ فاكتبي إلينا ثانيةً ولكل حادثٍ حديثٌ.
وأسأل الله أن يمن عليك بالتَّوْبة الصادقة وأن يفتح لك أبواب عفوه ومغفرته، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الحدود» باب «لا يشرب الخمر» حديث (6772)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان نقصان الإيمان بالمعاصي» حديث (57) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله» حديث (3540) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/114) وقال: «أخرجه الترمذي وهو حديث حسن».

(3) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/825) حديث (1508) مرسلًا عن زيد بن أسلم :، أن النبي ﷺ قال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله».

وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (4/272) حديث (7615)، والبيهقي في «الكبرى» (8/330) حديث (17379)، من حديث عبد الله بن عمر بلفظ: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله »، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/303- 304) وقال: «أسنده الحاكم والبيهقي من رواية ابن عمر بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم».

(4) أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/953) موقوفًا من قول عائشة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend