قرأت كثيرًا عن أجر الاستغفار وفوائده، وقرأت تجاربَ عديدٍ من المسلمين في هذا الباب، فهل من الممكن أن أستغفر بنية نقصان الوزن؟ لأنني أعاني من السمنة المفرطة، وهذا يؤثِّر على صحتي النفسية والزوجية ودوري كأمٍّ؛ لأن الحركة بدأت تثقل عليَّ. وهل تكون السمنة ابتلاءً؟ وماذا عليَّ أن أفعل لمحاربة شهوة البطن؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يَمُنَّ عليكِ بنعمةِ العافية، وأن يُطيب خاطركِ، وأن يشرح صدرك، وأن يُسبغ عليك نِعَمَه، ظاهرةً وباطنة.
ونودُّ أن نُعلمك بأن التوسُّل إلى الله عز و جل بالأعمال الصالحة مما اتَّفق عليه أهل العلم(1)، وقد فسَّر به جمهورُهم قول الله عز و جل :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35].
ولا شكَّ أن الاستغفارَ من جملة الأعمال الصالحة، بل هو منها في الذروة والطليعة، فتوسَّلي إلى الله جل وعلا بالاستغفار، وسَلِي اللهَ ما تشائين وأنت مُوقِنةٌ بالإجابة، ولعلَّ السمنةَ التي تشتكين منها وتودِّين التخلُّصَ منها مما يُذكِّرك بهَدْي النَّبي ﷺ القائل: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»(2)، والذي كان لا يشبع من طعامٍ قط(3).
ونسأل اللهَ أن يوفق أطباءنا أن يسهموا في استفاضة البلاغ بهذا الهدي النبوي الكريم، وأن يُوفِّقَكِ للالتزام بهذا الهدي، وسوف تجدين بركته بإذن الله خفةً في جسدك، واعتدالًا في وزنك، وبركةً في حياتك كلها بإذن الله. زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) جاء في «حاشية ابن عابدين» (6/397-398): «(قوله وكره قوله بحق رسلك إلخ) هذا لم يخالف فيه أبو يوسف بخلاف مسألة المتن السابقة كما أفاده الأتقاني. وفي التتارخانية وجاء في الآثار ما دل على الجواز (قوله لأنه لا حق للخلق على الخالق) قد يقال إنه لا حق لهم وجوبا على الله تعالى، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لهم حقا من فضله أو يراد بالحق الحرمة والعظمة، فيكون من باب الوسيلة وقد قال تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}: وقد عد من آداب الدعاء التوسل على ما في الحصن، وجاء في رواية: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي إليك، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا… الحديث» ا هـ.
جاء في «الفروع» (2/159-160): «ويجوز التوسل بصالح، وقيل: يستحب، قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي: إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره، وجعلها شيخنا كمسألة اليمين به، قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وبدعائه وشفاعته، ونحوه مما هو من فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع».
(2) أخرجه الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في كراهية كثرة الأكل» حديث (2380)، وابن ماجه في كتاب «الأطعمة» باب «الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع» حديث (3349) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(3) فقد أخرج مسلم في كتاب «الزهد والرقائق» حديث (2970) وحديث (2974)، من حديث عائشة ل قالت: ما شبع رسول الله ﷺ ثلاثة أيام تباعًا من خبز بر حتى مضى لسبيله. وقالت: لقد مات رسول الله ﷺ وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين.