اعتزال مجالس اللغو والمعصية

ما حكم مقاطعة بعض الأقارب، بسبب معرفتي بهم أنهم قائمون جالسون على القِيل والقال والنميمة وذلك لمحافظتي على بيتي وثباتي بإذن الله على ديني؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن اعتزال مجالس اللغو والمعصية مما استفاض في الأدلة الأمر به والتأكيد عليه، إذا لم يستطع أن يحتَسِبَ على أهلها، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فإن من لم يستطع أن يُزيل المنكر فليزل هو عنه، وليجتنب أهله ومجالسهم التي يتخوضون فيها في هذا الباطل ما استطاع، قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفرقان: 72]. وأحد الوجهين في تفسير الآية أن المراد بها مجالس الزور واللغو والباطل.
وقال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 68].
وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
ويقاس على ذلك كل مجالس الباطل، ولها من هذا الوعيد بحسبها.
ولكن بقي أمران مهمان:
أولهما: أن لا يكون هذا الموقف إلا بعد الاستيئاس من قبولهم للنصيحة، بعد التلطف في عرضها والترفق بأصحابها، والتدرج بهم وتألُّف قلوبهم على طاعة الله عز وجل، فإن استحياء العصاة بالتوبة أحبُّ إلى الله من هلاكهم بالإصرار على المعصية.
والثاني: وهو أمر مهم كذلك، ولا يطَّلع عليه أحدٌ إلا الله، أن يكون هذا العمل حسبةً لله تعالى وابتغاء وجهه الكريم، فإن شابته حظوظ النفس كان سعيًا حابطًا وعملًا مردودًا؛ ذلك أن من الناس من يكون اعتزاله لبعض أهله ليس حسبةً لله تعالى وغَيْرَة على حرماته، ولكن لما يكون في العادة بين الأقارب من تنافس وضغائن وتحاسد وتدابر لأسباب دنيوية، تريد في هذا المقام أن يتخذ لبوسًا دينيًّا، وأن تتوارى خلف غلالة زائفة من الاحتساب وادعاء البطولة الدينية.
فليحذر امرؤ لنفسه، فإن الناقد بصير، وإن الله جل وعلا لا يخدع. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend