ارتكاب الكبائر اعتمادًا على رحمة الله

أنا شابٌّ عمري 17 سنة، والحمدُ لله، فإن الله هداني وتركت المعاصي الصغيرة، فأنا الآن أُصلِّي الصلوات والسنن، وآمر بالمعروف وأزكِّي، وأصوم وأقوم الليل، وأحفظ القُرْآن وأسمع كثيرًا من الخطب الإسلاميَّة وهكذا، ولا نزكي على الله أحدًا.
فأنا أعلم أنني مذنبٌ وأحتاج إلى استغفارٍ كثير؛ لأننا نحن البشر كلنا مُقصِّرون في عبادة الله {#emotions_dlg.azz} وقد نرتكب بعض المعاصي فنرجو من الله قبولَ التَّوْبة، ولكن هنالك شيءٌ واحدٌ يجعلني أفكر كثيرًا، وهو أن الله سبحانه وتعالى رحيمٌ غفورٌ لدرجة أن من فعل السَّيِّئات (وأنا أتكلَّم عن الصغائر) وصلَّى الصلوات الخمس وصام فإن هذه الأعمال تُذهب السَّيِّئات، وكما في قوله تعالى:  ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمً﴾ا [النساء: 31]، وقوله:  ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾  [النجم: 32].
وفي الصَّحيحين عنه ﷺ أنه قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الـمُوبِقَاتِ». قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «الْإِشْرَاكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْـحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْـمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْـمُؤْمِنَاتِ»(1).
وقيل: مَن صلَّى الصلوات الخمس، وصام رمضان، واجتنب الموبقات، قيل له: ادخل الجنة بسلام.
فسؤالي هو: هل يعني ذلك أن مَن تجرَّأ على الله وارتكب المعاصي كالاستماع للأغاني المثيرة للشهوات، أو كالذي ينظر إلى الصور الفاضحة والماجنة، أو كالذي يُصافح النِّساء أو ما شابه ذلك، فهل هو من الذين يُقال له: ادخل الجنة بغير حسابٍ؛ فإن الأعمال الصَّالِحة تُكفِّر الذُّنُوب، ولا حاجة إلى استغفار؟ أم أنهم سيُعذَّبون قدر معاصيهم إن لم يتوبوا.
فأنا عندما أرى هذه الذُّنُوب منتشرةً لدى الشباب أقول لنفسي: هل مَن خاف ربَّه واجتنب جميعَ نواهيه يكون مثلَ الذي يرتكب الصغائر ويجتنب الكبائر؟ وهل درجة المعاصي التي ذكرتُها تكون تحت ما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالًا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، كنا نعدُّها على عهد رسول الله ﷺ من الموبقات(2).
فإن هذه المسألةَ أخاف منها لأنها والعياذ بالله تُشجِّعني على ارتكاب الصغائر، وأنا أعلم أن رحمةَ الله وسعت كلَّ شيءٍ، ولكن هل يجوز الاعتمادُ على رحمة الله مع العمل بالصَّلاة والصيام وارتكابِ الكبائر؟ فهل هذا يكفر الذُّنُوب التي أراها مفسدةً للأخلاق؟ أرجو منكم التوضيحَ، وأثابكم اللهُ وأدخلكم جناتِه جنات عدن، وشكرًا.

_______________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري 2767)، ومسلم  (89)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «ما يتقى من محقرات الذنوب» حديث (6492).

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فزادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، ورزقنا وإيَّاك تقواه، اعلم يا بني أن مُحقَّرات الذُّنُوب يجتمعن على الرَّجُل حتى يُهلِكْنَه، وأن قومًا غرَّتهم أماني المغفرة خرجوا من الدُّنْيا ولا حسنة لهم يقولون: نُحسن الظَّن بالله. ولو أحسنوا الظَّن لأحسنوا العمل.
واعلم يا بني أن للشيطان خطواتٍ: فمنها أن يُزيِّن لك الصغائرَ، فإذا اجترأت عليها استدرجك من خلالها إلى الكبائر وقد ضعف إيمانُك وقلَّت مناعتك وأصبحت أكثرَ جرأةً على هذه الكبائر، كما يُزيِّن لك تَرْكَ النوافل ليستدرجك من خلالها إلى تَرْك الفرائض، كما يُزيِّن لك فِعلَ بعضِ المكروهات ليستدرجك من خلال ذلك إلى الوقوع في الـمُحرَّمات، وهكذا؛ فلا تتبعوا خطوات الشيطان، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.
واعلم يا بني أن ربَّك لا يظلم مثقالَ ذرة، وأن كلَّ شيءٍ عنده بمقدار، وأن لكلٍّ درجات مما عملوا، وعلى كلٍّ ما اكتسب من الإثم، ويوم القيامة تُنصب الموازين فلا تُظلم نفسٌ شيئًا، وإن تك مثقال حبةٍ من خردل يأتِ بها الله.
فثق يا بني بعدله، وأحسن الظَّنَّ به، واجتهد في عبادته، واطرح عنك هذه الوساوس. ونسأل اللهَ لنا ولك العافية، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   11 التوبة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend