واللـهِ يا شيخ أتعبتني ذنوبي ولا أعلم إلى متى سأظلُّ هكذا أُذنب وأَضعف ثم أتوب، ثم أرجع وكأنني، منافقٌ أسال اللهَ العافية.
أكتب إليك وقد ملأني الشَّيطانُ يأسًا من نفسي أن تنصلحَ، ولكن عسى اللهُ أن يرحمني ويعفوَ عنِّي ويُدخلني برحمته في عباده الصَّالِحين.
الأمة في حالٍ يُرثَى لها وأنا هنا أعصي الله ثم أدعي أنني مسلمٌ أحبُّ الله، بالله ادعُ اللهَ لي دعوةً مخلصةً وأنا أكتب إليك تائبًا عسى اللهُ أن يقبلَ توبتي ويجعلها بداية صلاحي؛ فقد امتلأتُ حزنًا على نفسي، واللهُ وحده المستعان وعليه التكلان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإذا سرَّتْك حسنتُك وساءتك سيِّئتُك فأنت على بقيةٍ من خيرٍ، نسأل اللهَ أن يُبارك لك فيها، ولا ينبغي لمسلمٍ أن يقنطَ من رحمة الله ولا أن ييئسَ من رَوْحه؛ فإنه لا يقنط من رحمته إلا الضالون(1)، ولا ييئس من رَوْحه إلا الكافرون(2)، وأن يذكر دائمًا قولَه تعالى: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53] وأن تتأمَّل الحديثَ الذي ذَكَر فيه النَّبيُّ ﷺ حالَ رجلٍ يُذنب ثم يعقد العزمَ على التَّوْبة ثم تغلبه نفسُه فيُذنِب مَرَّةً أخرى ثم يتوب، ثم تغلبه مَرَّةً أخرى فيُذنب ثم يتوب وهكذا، فقال ﷺ فيما يحكي عن ربه عز و جل : ««أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ»».
ولا يعني هذا التفريط والجفاء، بل يعني أن تُغلق أبواب اليَأْس والقنوط، وأن تفتحَ بابًا من أبواب الرَّجاء والأمل ما يُجدِّد نشاطَك إلى الطاعة والاستقامة، وأن تَنْشَطَ من عقالٍ، وأن تُجدِّد العزمَ على الطهر والتَّوْبة، وأرجو أن تجدَ من لطائف ربِّك ورحماته ما تقرُّ به عينُك بإذن الله. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56].
(2) قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].