مساهمة الزوجة في الإنفاق على البيت

أنا وزوجتي طبيبان من مصر، وحاليًا نعمل في بلد خليجي، قبل حضورنا إلى هنا من بضعة شهور كنا نعيش عيشة رغدة بفضل الله، وكنت أصرف على بيتي من كل النواحي، وكذلك مصاريف أولادي وزوجتي من طعام وملبس ومسكن وهدايا وخلافه. وهذا هو واجبي شرعًا ولا أنكره، ثم توفر لنا عرض للعمل بهذا البلد الخليجي براتب أعلى لِكِلَيْنا والحمد الله. وحدَّدنا هدفًا لحضورنا هنا، وهو العمل لمدة سنتين للادخار، وكان هدفي الادخار لمصلحة مستقبل أولادي، وكان هدف زوجتي الادخار لمصلحة شراء أجهزة طبية خاصة بها وشراء عيادة خاصة لها. ورغم أنانيتها لم أعارضها في ذلك، ولكننا اتفقنا معًا على أنها ستساهم في بعض مصاريف المعيشة هنا نظرًا لغلاء السكن وتذاكر الطيران ومصاريف مدرسة الأولاد. ووافقت زوجتي على ذلك، وتأكدت من أنها ستتحمل بعض العبء معي حتى تكون هذه الرحلة مفيدة لكل الأطراف، سبقتُ زوجتي بالحضور إلى هنا من عدة شهور وبدأت العمل وجهزت المنزل لاستقبال أسرتي، ثم استطعتُ بفضل الله أن أحصل لزوجتي على عقد عمل بمستشفى أفضل بكثير من العقد الأول وبراتب أعلى بكثير أيضًا يقارب راتبي، ثم حضرت زوجتي للعمل منذ شهرين، ولم أطالبها بأن تدفع أي شيء في مصاريف تجهيز البيت، ولكن طلبت منها الالتزام بالعهد الذي بيننا، وهو المساهمة فقط في إيجار الشقة الغالي جدًّا وتذاكر الطيران ومصاريف مدارس الأولاد الغالية جدًّا، لكن مصاريف البيت والأولاد والزوجة من مأكل ومشرب وملبس أنا متكفل بهم جميعًا، فيما عدا بعض الملابس القليلة الإضافية لزوجتي لزوم المظهر في عملها، فهي تشتريها من راتبها، فلك أن تتخيل يا سيدي أن إيجار الشقة وحده يكلفنا 6000 جنيه مصري شهريًّا، أجعل زوجتي تدفع ثلثه فقط!
تمكنا بفضل الله خلال الشهور القليلة من شراء سيارة جديدة وكتبناها باسم زوجتي، وأقرضتها من راتبي ثلثي ثمنها على أن تسدده بأقساط شهرية مريحة جدًّا. اليوم وبعد مرور شهرين فقط على بدء عمل زوجتي الجديد، وبالرغم من أنها أصبحت تمتلك سيارة جديدة، أجدها مستاءة جدًّا من أنها لا تستطيع الادخار من راتبها، وتدعي أنها تصرف على البيت وعلى نفسها وعلى تذاكر سفر الأولاد، وتقول: هذا ليس من واجبها، وإن كل هذه الأشياء ملزمة مني أنا، وبدأت تلومني أن واجبي شرعًا هو أن أتكفل بكافة مصاريف البيت والأولاد، وتعايرني ظلمًا أنها تصرف على نفسها وعلى البيت وعلى الأولاد، مع أنها لا تصرف إلا على مظهرها، ولا تصرف على الأولاد سوى المشاركة في مصاريف مدرستهم ومصاريف تذاكر الطيران بحسب النسبة التي تعاهدنا عليها، ولا تصرف على البيت أي شيء من أكل أو صيانة أو أثاث جديد سوى ثلث الإيجار الغالي جدًّا، وأيضًا حسب الاتفاق والعهد الذي بيننا.
ونتيجة لمشادة كلامية بيننا اليوم ونتيجة اتهامها لي بالتقصير في مصاريف الأولاد، ونتيجة تملصها من سداد بعض المصاريف المتفق عليها شعرت بالغيظ والضيق منها لأنانيتها ولتخليها عن عهدها معي ووجدتها تقول: «أنا عايزة أوفر فلوس من راتبي مش عارفة، وأنا مش ملزمة بمصاريف الأولاد، وهم ملزمين منك أنت أبوهم!» قلت لها: إذا كان الشرع يقول: إني ملزم بهم وبك، أنا على أتم الاستعداد بذلك، ولكن الشرع أيضًا يقول: إن مكان الزوجة هو بيتها لرعاية أولادها، ونحن اتفقنا في البداية على مساهمتك في بعض المصاريف، ولا يجب أن تخالفي اتفاقنا، فوجدتها تنفعل وتكرر نفس كلامها وتضيف: «أنت لازم يبقى قلبك علي»، فرددت عليها تلقائيًّا وبغيظ: «أنا مش قلبي عليك خلاص»، وبعدها شعرت بضيق في صدري وخوف من أن تكون الجملة الأخيرة كناية من الكنايات التي توقع الطلاق، فهل هي كذلك؟ وهل أنا محق فيما قلت: إنه يجب على زوجتي الالتزام بما اتفقنا عليه؟ إذا كان واجبي شرعًا أن أتكفل بكافة مصاريف البيت، فأنا أقدر والحمد لله، ولكن الدين والشرع أيضًا يكفل لي الحق أن أمنع زوجتي من عملها، وأن توفر الثماني ساعات عملٍ يوميًّا بأن تجلس مع أولادها وترعاهم وترعاني، فهي يا فضيلة الشيخ لا ترى أولادَها غير ساعتين فقط في فترة الظهيرة ثم تنزل لعملها المسائي، وتعود فتجد الأولاد نائمين، أي عمل هذا وأي كفاح هذا وأي مهانة هذه مقابل أن توفر زوجتي لنفسها ثمن شراء سيارة كبيرة وعيادة خاصة؟ حسبي الله ونعم الوكيل.
أرجوكم فضيلة الشيخ أن تفتوني فيما قلت من لفظ، وأن تنصحوني ماذا أفعل بما يرضي الله ورسوله بما لكم من حكمة؟ جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن قولك لزوجك: «أنا مش قلبي عليكِ خلاص»، لا يعتبر فيما يظهر طلاقًا؛ لأنك لم تقصد به الطلاق وفق السياق الذي ذكرتَه في حديثك، ولعل مرَدَّ هذا الهاجس إلى ما يعتريك من الوساوس التي أسأل الله أن يعافيك منها بمنه ورحمته، أما الزوجة فالأصل هو قرارُها في بيتها واحتباسُها فيه لرعاية زوجها وولده، فإن أذن لها في العمل إذنًا غير مقيَّد فالمالُ مالُها، وإن اشترط عليها في إذنه أن تشارك بنسبة ما في أعباء الحياة الزوجية، فعليها أن تفي لزوجها بما شرطته على نفسها، فإن مقاطع الحقوق عند الشُّروط.
ونصيحتي لكلا الزوجين أن يأتمروا بينهم بمعروف وأن يدركوا أن الحياة قصيرة، وأن متاعَها إلى زوالٍ، وأن كسب القلوب خير من كسب النقود، والله أسأل أن يأخذ بنواصيهم إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يقذف المودَّة بينهم والهدى في قلوبهم، اللهم آمين، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend