حول وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة

ذكر لي أحدُ الإخوة أن الساعةَ التي يُستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة هي بين صلاتي العصر والمغرب. فما صحة هذا القول؟ وفقنا الله وإياكم إلى كل ما فيه خير، وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد دلَّت السنة الصحيحة على أن في الجمعة ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم يسأل اللهَ خيرًا إلا أعطاه، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم ﷺ: «فِي الْـجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللهَ خيرًا إِلَّا أَعْطَاهُ»(1).
وقد اختُلف في تحديد وقت هذه الساعة، على أقوال كثيرة، أصحها قولان، قال ابن القيم :(2): وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمَّنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر:
الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في «صحيحه»: عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسمعتَ أباك يُحدِّث عن رسول الله ﷺ في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم؛ سمعته يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ»(3).
والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد(4)، وخلقٌ.
وحجة هذا القول ما رواه أبو داود والنَّسائي: عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ قال: «يَوْمُ الْـجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، مِنْهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شيئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ». صححه الألباني(5).
وروى سعيد بن منصور في «سننه» عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. صحَّح الحافظ إسناده في «الفتح»(6).
وفي «سنن ابن ماجه»: عن عبد الله بن سلامٍ قال: قلت ورسول الله ﷺ جالسٌ: إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يصلي يسأل الله فيها شيئًا إلا قضى له حاجته. قال عبد الله: فأشار إليَّ رسول الله ﷺ: «أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ». فقلت: صدقت، أو بعض ساعةٍ. قلت: أيُّ ساعةٍ هي؟ قال: «هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ». قلت: إنها ليست ساعةَ صلاةٍ؟! قال: «بَلَى، إِنَّ الْعَبْدَ الْـمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ»(7).
وعلى القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لا يعني ذلك أن ينشغل المأموم بالدعاء ويُعرض عن سماع الخطبة، بل يستمع للخطبة، ويؤمن على دعاء إمامه فيها، ويدعو في صلاته، وفي سجوده، وقبل سلامه. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «الساعة التي في يوم الجمعة» حديث (935)، ومسلم في كتاب «الجمعة» باب «في الساعة التي في يوم الجمعة» حديث (852).

(2) «زاد المعاد» (1/390).

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الجمعة» باب «في الساعة التي في يوم الجمعة» حديث (853).

(4) جاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (2/409-410): «قوله (ويكثر الدعاء) يعني في يومها، وأفضله بعد العصر، لساعة الإجابة قال الإمام أحمد أكثر الأحاديث: أنها في الساعة التي ترجى فيها الإجابة بعد العصر وترجى بعد زوال الشمس».

(5) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الإجابة أي ساعة هي في يوم الجمعة» حديث (1048)، والنسائي في كتاب «الجمعة» باب «وقت الجمعة» حديث (1389)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1048).

(6) «فتح الباري» (2/421).

(7) أخرجه ابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة» حديث (1139)، وذكره الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (934).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الحديث الشريف وعلومه, 02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend