أودُّ أن أسألَ فضيلتكم: ما هي وسائل وأسباب زيادة اليقين؟ وهل هي مرتبطة بزيادة ونقص الإيمان؟ أم أن لليقين أمورًا تخصه هو بالتحديد؟
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أسباب زيادة اليقين كثيرة، أذكر لك منها:
• تدبر القرآن الكريم، الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الحاقة: 50، 51].
وحق اليقين ما باشرته بنفسك فلا تشك فيه، وتلاوة القرآن وتدبره من أقوى أسباب زيادة اليقين، بل هي الطريق إلى الوصول إلى أعلى مراتبه.
• التفكر في آيات الله في الأنفس والآفاق، كما قال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾} [الذاريات: 20، 21].
• تجريد المحبة لله ، وذلك بأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله، وأن تكره أن تعود في الكفر كما تكره أن تقذف في النار، فمن فعل ذلك وجد حلاوة الإيمان في قلبه(1)، وبرد اليقين يسري في أوصاله.
• الدعاء؛ فإن الله حيي؛ يستحي من عبده إذا مدَّ يديه إليه أن يردهما صفرًا، أو أن يجأر إليه بالدعاء ثم يرده خائبًا(2)، فسل الله علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، وربك غني كريم.
ففي حديث ابن عمر ب قال: ما كان رسول الله ﷺ يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بأسْمَاعِنا وَأَبْصَارِنَا وقُوَّتِنَا مَا أحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»(3).
• التدبر في مواقف الموقنين، وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون، ومن ذلك التدبر في قول كليم الله موسى عندما أتبعهم فرعون وجنوده وقال له قومه: إنا لَـمُدرَكون. فقال: كلا، إن معي ربي. والتدبر في مواقف نبينا ﷺ في غزواته ومسيرة حياته؛ فإن هذا مما يملأ القلب يقينًا بالله .
• صحبة الموقنين؛ فإن صحبتهم تزيد من اليقين وتثبت عليه؛ ولهذا كان الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير(4)، وكانت الوحدة خيرًا من جليس السوء.
• مجاهدة النفس في الله ، وحمله على مراده بقوة، فلا يُسوِّف في طاعة، ولا يتباطأ في توبة، ولا يتردد في خيرٍ عَزَم عليه، وقد نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل.
ولا شك أن هذه الأسباب تزيد في اليقين، وتزيد في الإيمان، وتثبت العبد في سيره إلى ربه جل وعلا.
زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «حلاوة الإيمان» حديث (16)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان خصالٍ من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان» حديث (43) من حديث أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْـمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
(2) ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «الدعاء» حديث (1488)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في دعاء النبي ﷺ» حديث (3556)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «رفع اليدين في الدعاء» حديث (3865). من حديث سلمان قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»، وقال الترمذي: «حديث حسن».
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في عقد التسبيح باليد» حديث (3502) من حديث ابن عمر ب، وقال الترمذي: «حديث حسن».
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «في العطار وبيع المسك» حديث (2101)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء» حديث (2628)، من حديث أبي موسى ، عن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْـجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْـجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْـمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».