ســـؤال:
ما حكم الفرح وَمن موت شخصية كانت تحارب الدين وتسخر من المتدينين؟
جـــواب:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعــد:
❐ فإن الفرح بهلاك الطغاة والظلمة والمحاربين أمر جبلي لا تستطيع النفس دفعه، وهو أمر مشروع لما يتضمنه من شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم، قال تعالى:
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
❐ يقول الطبري في تفسير الآية الأولى:
(ويشف صدور قوم مؤمنين)،أى ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسولهﷺ، بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالكم وقهركم إياهم.
وذلك الداء، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموْجِدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.
❐وقال في تفسير الآية الثانية:
( قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وَجْدَ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين، وغمَّها وكربَها بما فيها من الوجد عليهم، بمعونتهم بكرًا عليهم)
وهو كذلك أمر مضت به السنة المطهرة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهت معركة بدر قال:
{من يذهب فينظر ماذا صنع أبو جهل، فذهب عبد الله بن مسعود فوجده، فلما رآه ركب على صدره فقال له أبو جهل: لمن الدائرة اليوم؟ لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، لقد أخزاك الله يا عدو الله، أرأيت كيف أخزاك الله؟! قال أبو جهل: وهل أعجب من رجل قتله قومه؟! ثم احتز ابن مسعود رأس أبي جهل وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم سر بذلك وقال: هذا فرعون هذه الأمة}.
فالفرح بمهلك أعداء الله من الكفرة والظلمة والمفسدين في الارض أمر مشروع، وهو من نِعَم الله على عباده، بل وعلى الشجر والدواب، وإن أهل السنَّة ليفرحون بما يحل بهؤلاء من بأس الله ونقمته، ومن الأدلة على ذلك بالإضافة إلى ما قد سبق:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً)[ الأحزاب/ 9]
وفي الآية إشارة إلى أن إهلاك أعداء الله تعالى من نعَم الله على المسلمين التي تستوجب ذِكراً وشكراً
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ
مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ:
(الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَر ُ، وَالدَّوَابُّ). رواه البخاري (6147) ومسلم (950)، وبوَّب عليه النسائي في سننهِ (1931) : ” باب الاستراحةُ من الكفارِ
” قال النووي – رحمه الله – :معنى الحديث : أن الموتى قسمان :
مستريح ومستراح منه ، ونصب الدنيا : تعبها ، وأما استراحة العباد من الفاجر معناه : اندفاع أذاه عنهم ، وأذاه يكون من وجوه، منها : ظلمه لهم ، ومنها : ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك ، وربما نالهم ضرره، وإن سكتوا عنه أثموا .
واستراحة الدواب منه كذلك لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك واستراحة البلاد والشجر: فقيل : لأنها تمنع القطر بمصيبته قاله الداودي وقال الباجي لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره شرح مسلم ” ( 7 / 20 ، 21.)
سجود على رضي الله عنه لله شكراً لمقتل ” المخدَّج ” الخارجي لما رآه في القتلى في محاربته له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارجَ، وذكر فيهم سنَّة رسول الله المتضمنة لقتالهم، وفرح بقتلهم، وسجد لله شكراً لما رأى أباهم مقتولاً وهو ذو الثُّدَيَّة. بخلاف ما جرى يوم ” الجمل وصفين “؛ فإن عليّاً لم يفرح بذلك، بل ظهر منه من التألم والندم ما ظهر، ولم يذكر عن النبي ﷺفي ذلك سنَّة، بل ذكر أنه قاتل باجتهاده). مجموع الفتاوى ” (20 / 395).
فرح أهل السنة لما أُصيب المبتدع الضال ” ابن أبي دؤاد ” بالفالج – وهو ” الشلل النصفي ” -:
حتى قال ابن شراعة البصري
أفَلَتْ نُجُومُ سُعودِك ابنَ دُوَادِ … وَبَدتْ نُحُوسُكَ في جميع إيَادِ
فَرِحَتْ بمَصْرَعِكَ البَرِيَّةُ كُلُّها … مَن كَان منها مُوقناً بمعَادِ
لم يَبْقَ منكَ سِوَى خَيَالٍ لامِعٍ … فوق الفِرَاشِ مُمَهَّداً بوِسادِ
وَخَبتْ لَدَى الخلفاء نارٌ بَعْدَمَا … قد كنت تَقْدحُهَا بكُلِّ زِنادِ
” تاريخ بغداد ” للخطيب البغدادي(4 / 155 ) .
وقيل لأبي عبد الله، أي: الإمام أحمد بن حنبل:
الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا ؟
وقد ذكر ابن كثير – رحمه الله – فيمن توفي سنة 568 هـ -: الحسن بن صافي بن بزدن التركي ، كان من أكابر أمراء بغداد المتحكمين في الدولة ، ولكنه كان رافضيّاً خبيثاً متعصباً للروافض ، وكانوا في خفارته وجاهه ، حتى أراح الله المسلمين منه في هذه السنَة في ذي الحجة منها، ودفن بداره ، ثم نقل إلى مقابر قريش ، فلله الحمد والمنَّة
وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله .
” البداية والنهاية ”
وقال الخطيب البغدادي – رحمه الله – في ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن الحسين أبو القاسم الحفَّاف المعروف بابن النقيب -: كتبتُ عنه، وكان سماعه صحيحاً، وكان شديداً في السنَّة، وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم) تاريخ بغداد ” (10 / 382)
🖇هذا عن فرح المسلمين بمن هلك من أعداء الله، فاستراح بموته أولياء الله، اما عن الاستهزاء بهم والسخرية منهم وإطلاق النكات حولهم فهو أمر لا يليق بالمسلم في الجملة، فإن أدنى أحواله أن يكون من اللغو الذي وصف الله عباده المؤمنين بالإعراض عنه في قوله تعالى:
( والذين هم عن اللغو معرضون) ولا سيما إذا كان له من أهله الأحياء من يتأذى بمثل هذه السخرية، فقد روي قوله ﷺ فى قتلى بدر من المشركين ” لا تسبوا هؤلاء، فإنه لا يخلص إليهم شيء مما تقولون ، وتؤذون الأحياء ”
🖇وللنسائي من حديث ابن عباس بإسناد صحيح:
أن رجلا وقع في أب للعباس كان في الجاهلية فلطمه، فقال ﷺ:(لا تسبوا امواتنا فتؤذوا احياءنا، ألا إن البذاء لؤم)
هذا وقد صح قوله ﷺمن حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ ; فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
📄وفي هذا الحديث: النهي عن سب الأموات،
وقد اختلف أهل العلم على أقوال في المراد بالأموات في هذا الحديث، فقيل إن هذا عام للمسلين وغيرهم، لأنه قال (الأموات) وال للاستغراق، ولأن معظم الأموات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من الكفار. وقيل إن المراد بالأموات في هذا الحديث أموات المسلمين، وأن ال في قول الأموات للعهد وليس في الاستغراق، لقوله «فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»، وهذا فيه إشعار بأنهم مسلمون. وقيل إن هذا خاص بالمسلمين، ويشمل الكفار لكن بشرط: أن يكون في سبهم فائدة، ولا يتأذى بذلك أقاربهم الأحياء، هذا ما تيسر تحريره في الإجابة عن هذا السؤال.
هذا وباللهِ التوفيـق و الله أعـلىٰ وأعلـم