موضوعي يدور حول: كيف لي أن أُكفِّر عن أخطائي تُجاه والدتي الحبيبة رحمها الله، كنت منذ سن المراهقة حادة الطباع، وكانت تغضب مني، وأحيانا كانت تبكي، علمًا أنني في بعض الأوقات كنت أعاني من بعض الضغوط منها لكن عطاءها لي وصبرها كان أعظم من تحمُّلي تلك الضغوط؛ ولهذا ندمت كثيرًا عندما تُوفيت فجأة بين ليلة وضحاها لم يتسنَّ لي أن أطلب منها العفو والصفح، علمًا أنها سخطت على إحدى أخواتي، أما أنا فلم أسمع أبدًا منها كلمة سخط، وكانت قد أوصتني ألا أنساها من الدُّعاء بعد مماتها.
منذ سبع سنوات تُوفيت وما زلت ألوم نفسي إلى يومنا هذا وأود لو أن أعطيها رُوحي لكن لا قدرة لي أن أرجع إلى الماضي، وخصوصًا أنني حاليًّا صِرْتُ أكثر وعيًا بعظمة الأم.
كيف لي أن أُكفِّر عن ذلك؟ لا أبخل عليها بالدُّعاء عقب كل صلاة، والصدقاتِ في سبيل الله، يا ربي لا أمنن بذلك، لدرجة أنني طلبت من الله أن يهبها من حسناتي المهم أن يرضى عني وأن يصل أمي إحساني حتى وهي في الآخرة. فهل هذا يكفي؟ أم أن العذاب ينتظرني في قبري، وخصوصًا أنني أحبطت؟
إن حياتي غير سعيدة، فهل يُعقل أن يكون ذلك من هذا السبب؟ فأنا أراها بالمنام راضية عني وغير غاضبة سوى مرة استسمحتها وأبت أن تُسامحني! لكن كل الرؤى بعد ذلك كانت طيبة. شكرًا، وجزاك الله عنا كل الخير.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فاعلمي يا بنيتي أن اللهَ يقبل التَّوْبة عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات(1)، وأنه لا يَعظُم ذنب على التَّوْبة، ولا تزال أبواب التَّوْبة مفتوحةً أمام العبد ما لم يُغرغر(2) أو تطلع الشمس من مغربها(3).
واعلمي كذلك أن «النَّدمَ تَوْبَةٌ»(4)، ولعل هذه المعاناة التي تُكابدينها تكون كفارةً لك عما بدر منك نحوها من هَناتٍ.
ونُوصيك بمداومة الدُّعاء لها والتصدق عنها، وإن استطعتِ أن تعتمري لها أو تحُجِّي عنها بعد أن تكوني قد حججت واعتمرت عن نفسك فذلك حسن، وأرجو أن يتقبَّل الله توبتك وأن يغسل حوبتك وأن يغفر لك خطيئتك؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].

(2) أخرجه البخاري (6160).

(3) فقد أخرج مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «استحباب الاستغفار والاستكثار منه» حديث (2703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».
وأخرج أيضًا في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه  عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ عز و جل  يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وأخرج أبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في الهجرة هل انقطعت» حديث (2479) من حديث معاوية رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لَا تَنْقَطِعُ الْـهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا». وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (2479).

(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».