هل يجوز للإنسان أن يكذب إذا سأله أحدٌ: هل أنت تعمل معصية ما مثلًا؟ هل سرقت مرة في حياتك؟ ويقول: لا، لم أسرق. وهو سرق؛ وذلك ليستر على نفسه. فهل يجوز هذا الكذب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن الإنسان لا يقفو ما ليس له به علم، وألا يتدخل في خصوصيات الآخرىن، ويُوجِّه إليهم ما يُحرجهم به من الأسئلة بغير مقتضٍ شرعي لذلك.
والأصل أن يستتر المسلم بستر الله عليه، وألا يهتك هذا الستر بالحديث سرًّا أو جهرًا عن زَلَّاته وعَثَراته بغير مُقتضٍ شرعي لذلك؛ فقد قال ﷺ: ««كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ فَيقُولُ: يَا فُلانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصبحُ يَكْشِفُ ستْرَ الله عَنْه»»(1).
ومن المقتضيات الشرعية مثلًا أن يتقدَّم المرء لوظيفةٍ عامة يشترط فيمن يتقلدها ألا يكون قد حُكم عليه في جريمة مُخلَّة بالشرف، فلا يجوز له الكذب في هذه الحالة وادعاء العدالة وهو ليس لها بأهلٍ، اللهم إلا إذا كان قد قارف شيئًا من ذلك فستره الله عليه ولم يطَّلِع عليه أحدٌ ثم رزقه اللهُ توبةً خالصة منه، فلا يلزمه الإفصاحُ عنه في هذه الحالة، ولاسيما أن الوظيفة العامة تشترط فيمن يتقدم لها ألا يكون قد حُكم عليه في جريمة مخلة بالشرف، وليس مجرد التُّهَمة، وليس مجرد جريمة لم يطلع عليها أحدٌ أو لم يسمع بها أحد.
وفي النهاية فإن في المعاريض مندوحةً من الكذب(2)، فمن ابتُلي بفضوليٍّ ضيَّق عليه في سؤاله ولم يستطع التخلُّص منه فإنَّ له أن يعرض في حديثه بما يدفع عنه إلحاحه عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «ستر المؤمن على نفسه» حديث (6069)، ومسلم في كتاب «الزهد والرقائق» باب «النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه» حديث (2990)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) فقد أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 203) حديث (4794) عن مطرف بن عبد الله قال: أقبلنا مع عمران بن حصين من البصرة إلى الكوفة فما من غداة الا يناشد فيها الشعر ويذكر فيها أيامَ العرب، وكان يقول: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب. وقال البيهقي: «هذا هو الصحيح موقوفًا».