حكم من دعا على نفسه باللعنة

تقبل الله صيامكم وقيامكم، أريد أن أستغفر ربي عن هذا القول، وهل الاستغفار وعدم العودة إليه يكفي أم ماذا؟
أنا في السنوات الأخيرة ولله الحمد، دائمًا أذهب للعمرة بمكة ولديَّ زوجة عنيدة- هداها الله- أحاول معها لكي تذهب للعمرة معي برمضان؛ لأنها تعدِل حجة، فتكابر وترفض ذلك، فقلتُ: «علي لعنة الله إن لم تعتمري في رمضان هذا». فندمت على ما قلت، واستغفرت الله، وأريد أن آخذ زوجتي وأقنعها بالعمرة، مع العلم أننا لم نذهب إلى الآن، فوالله ما قلتُ هذا إلا أنني أريد من زوجتي أن تذهب وأحثها على أعمال الخير.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما كان ينبغي لك أن تدعو على نفسك باللَّعنة، فقد تصادف هذه الدعوة ساعةَ إجابة فتبقى بحسرَتِها؛ لحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ الله تَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»(1).
وأصل هذا الحديث ما أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: سِرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بُواط- جبل من جبال جهينة- وهو يطلب المجديَّ بن عمرو الجهني، وكان الناضح- البعير الذي يُستقى عليه- يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار- العُقبة: ركوب هذا مرة وهذا مرة- على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتَلَدَّنَ عليه بعض التلدُّن- أي تلكأ وتوقف- فقال له: شَأْ لعنك الله- كلمة زجر للبعير- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟» قال: أنا يا رسول الله. قال: «انْزِلْ عَنْهُ، فَلَا تَصْحَبَنَّا بِمَلْعُونٍ، لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ الله سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»(2).
ومن رحمة الله عز وجل أنه لا يستجيبَ لعباده في مثل هذه الحالات؛ لأنه يعلم أنهم غِضاب، ولا يقصدون إلى ما يَدعُون به، ولو عجَّل لهم هذه الدعوات لكان فيها هلاكهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]. أي: أنه لا يستجيب لهم إذا دَعَوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم؛ لأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم في مثل هذه الحالة.
وإنما المشروع أن تُناصح زوجتك، وتكظم غيظك، وتدعو لها بالتوفيق والهداية، وأمامك التوبة، فإن لها بابًا فتحه الله عز وجل، فلا يملك أحدٌ أن يُغلقه، { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]، كما ننصحك بالاستكثار من فعل الحسنات، فقد قال تعالى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. وقال صلى الله عليه وسلم: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْـحَسَنَةَ تَمْحُهَا»(3).
ونسأل اللهَ لنا ولك الهدى والتقى والمغفرة. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «النهي عن أن يدعو الإنسان عن أهله وماله» حديث (1532)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1532).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الزهد والرقائق» باب «حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر» حديث (3014).

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 153) حديث (21392)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في معاشرة الناس» حديث (1987) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (1373).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend