بمناسبة الأعاصير التي تجتاح المناطق الشرقية في الولايات المتحدة، هل هناك هدي نبوي يُوصَى به المسلمون في هذه الأجواء؟ سواء في علاقتهم بالظاهرة أم في علاقتهم بالمتضررين بها؟ أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الريح من روح الله ، وروح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رآها المسلم فلا يحلُّ له سبها، بل يسأل الله خيرها، ويستعيذ به من شرها.
وكان النبي ﷺ إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»(1).
وما هبت ريح قط إلا جثا النبيُّ ﷺ على ركبتيه وقال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا»(2).
قال ابن عباس في كتاب الله ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ﴾ [القمر: 19] و﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات: 41]، وقال: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: 22]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: 46] وتروي عنه أمنا عائشة أنه كان إذا تخيلتِ السماءُ تغيَّر لونُه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرِّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة: فسألته، فقال: «لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةٌ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: 24]»(3).
• والتفسير العلمي للظواهر الكونية لا ينفي التفسير الإيماني لها، بل يزيده عمقًا وتجليًا للعيان، وما ينبغي لمسلم أن يدع آية من هذه الآيات الكونية تمر عليه دون أن يتدبرها، ويقف على موضع العبرة والموعظة منها، وقد نعى الله على المشركين الذين يعرضون عن هذه الآيات ولا ينتفعون بها، فقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: 105].
• أما المتضررون من هذه الأحداث فهم أحد رجلين: مسلم أو معاهد. فالمسلم له حقوق الإسلام، وتفصيلها معلوم من الدين بالضرورة، والمعاهد له حقوق الأمان، والتي تقتضي البر والقسط، وحقوق الجيرة والخلطة التي تقتضي الإحسان والمواساة والتخفيف من معاناتهم وأوجاعهم وجراحاتهم، تألفًا لقلوبهم على الإسلام، ودفعًا لأباطيل المرجفين والمنافقين؛ فقد قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
ولا يخفى أن حديثنا ليس عن الساسة وصناع القرار، فهؤلاء منهم المعادون للملة والأمة، ومنهم دون ذلك، ولكننا نتحدث عن عموم الناس في المجتمع، فهؤلاء بشر من البشر، وهم جزء من أمة الدعوة للنبي محمد ﷺ، وتعريفهم بسماحة الإسلام ورحمته بعموم البشر جزء من البلاغ الواجب لدين الله ، ومن وسائل ذلك المواساة في الملمات؛ فلا ينبغي أن تقصر الجالية المسلمة في واجب المواساة في هذه الكارثة لجميع المتضررين بما تستطيع. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة الاستسقاء» باب «التعوذ عند رؤية الريح والغيم» حديث (899) من حديث عائشة ل.
(2) أخرجه الطبراني في «الكبير» (11/213) حديث (11533) من حديث ابن عباس ب، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/135-136) وقال: «رواه الطبراني وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله رجال الصحيح».
(3) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة الاستسقاء» باب «التعوذ عند رؤية الريح والغيم» حديث (899).