الأكل المطبوخ بالخمر

أقيم في كندا حاليًا، وأسأل عن حكم الأكل المطبوخ بالخمر؛ حيث إن أصحاب المطاعم والعائلات الكندية يذكرون أنه فقط يعطي نكهة، ولا يتشربه الأكل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن القول في هذه المسألة يتفرع عن القول في طهارة الخمر ونجاستها، كما يتفرع عن مدى صحة القول بأن الطعام لا يتشرب الخمر عندما يطبخ بها.
أما الأولى فهي موضع خلافٍ بين أهل العلم، والجمهور(1) على نجاستها نجاسة حسية، ومن أهل العلم من مال إلى القول بأن نجاستها معنوية كنجاسة الميسر والأنصاب والأزلام؛ وذلك لما صَحَّ من إراقتها في شوارع المدينة عندما تأبد تحريمها(2)، ولو كانت نجسة لاحتاط الصحابة عند التخلص منها حتى لا تنجس شوارع المسلمين، فهي من المتشابه المختلف فيه على كل حال.
وأما الثانية: فهي موضع نَظَرٍ بين الطهاة، ومنهم من يؤكد أن الطعام لا يتخلص مما خالطه من الخمر بالكلية، وعلى هذا فتبقى المسألة في أدنى أحوالها من المشتبهات التي من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه، ونسأل الله أن يجنبنا وإياكم الزللَ في القول والعمل، وأن يجعلنا وإياكم ممن يجعلون بينهم وبين الحرام جُنَّة من الحلال، وأن نذكر دائمًا أن خير دينكم الورع. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________________

(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (24/3): «وهي –أي الخمر- نجسة نجاسة غليظة لا يعفى عن أكثر من قدر الدرهم منها». وجاء أيضا فيه (24/25): «ولو عجن الدقيق بالخمر، ثم خبز كرهت أكله؛ لأن الدقيق تنجس بالخمر، والعجين النجس لا يطهر بالخبز، فلا يحل أكله. ولو صب الخمر في حنطة لم يؤكل حتى تغسل؛ لأنها تنجست بالخمر، فإن غسل الحنطة، وطحنها، ولم يوجد فيها طعم الخمر، ولا ريحها، فلا بأس بأكلها؛ لأن النجاسة كانت على ظاهرها، وقد زالت بالغسل بحيث لم يبق شيء من آثارها».
وجاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (1/78-80): «باب النجاسة: قوله: (هي كل مسكر) لما كان الأصل في الأعيان الطهارة لأنها خلقت لمنافع العباد وإن كان في بعضها ضرر ففيه نفع من جهة أخرى شرع المؤلف في ضبط الأعيان النجسة ليعلم أن ما عداها في حكم الطهارة، وقد استدل على نجاسة الخمر بالإجماع، حكاه أبو حامد وابن عبد البر».
وجاء في «التاج والإكليل» من كتب المالكية (1/138-139): « ابن رشد : لا خلاف أن الخمر نجسة وإذا تخللت من ذاتها طهرت».
وجاء في «الكافي» من كتب الحنابلة (1/158-159): «والخمر نجس؛ لقول الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر، فكان نجسًا كالدم».

(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «صب الخمر في الطريق» حديث (2464)، ومسلم في كتاب «الأشربة» باب «تحريم الخمر» حديث (1980) من حديث أنس رضي الله عنه  قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله ﷺ مناديًا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فقال لي أبو طلحة اخرج فأهرقها. فخرجت فهرقتها فجَرَت في سكك المدينة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   16 الأطعمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend