عقد الزواج الذي يبرمه القضاء غير الشرعي

المسلم يأتي من بلاد الإسلام ويتزوج من كتابية، ويتعجل الزواج من أجل الحصول على الإقامة، ولا يتزوجها إسلاميًّا، ويتعاشران وتنجب منه المرأة أولادًا، فما حكم هذه العلاقة؟ وهل الزواج القانوني يغني عن الزواج الإسلامي؟ وكيف يصحح الرجل الزواج؟ وما موقف الإسلام من هذه العلاقة التي دامت سنوات وأثمرت ذرية لهذا الرجل؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
زواج المسلم بالكتابية مشروع، بشرط الإحصان، ويقصد به في هذا المقام العفة عن الزنى، لقوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة: 5].
ويجب أن يجري هذا الزواج على وفاق الشريعة، من حيث الأركان والشرائط، والعقد الذي يبرمه القضاء الأمريكي غير معتبر من عدة أوجه:
• أن التزويج نوع من الولاية، وهي منعدمة بين المسلم وغير المسلم، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]
• أن هذا العقد يفتقد الإشهاد، فالإشهاد اختياري، والمكان المخصص لذلك هو لشاهد واحد فحسب.
• تخلف جانب الولاية بالنسبة للمرأة؛ فالمرأة يزوجها أولياؤها وفقًا لما عليه جمهور أهل العلم(1)، وإذا أخذ برأي الأحناف(2) في هذا المقام فلا تزال القوادح الأخرى في هذا العقد قائمة.
وإذا كان ذلك كذلك، فإن على الرجل في هذه الحالة تجديد العقد، بحيث تستكمل أركانه وشرائطه الشرعية، أما ما كان من ذرية خلال هذا العقد الفاسد، فإنه يثبت لهم نسبهم؛ لوجود شبهة العقد في هذه العلاقة. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) جاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (2/38-39): «(ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل) أما الولي فيشترط فيه الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والذكورية ولا تشترط العدالة على المشهور في صحة العقد بل في كماله ولا الرشيد فيعقد السفيه لابنتيه بإذن وليه عند ابن القاسم، وهو شرط صحة لا يصح العقد بدونه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها… [ قوله: وهو شرط صحة ] أي الولي شرط صحة [ قوله: ولا المرأة نفسها إلخ ] مطلقا بكرًا كانت أو ثيبًا شريفة كانت أو دنية رشيدة أو سفيهة أمة أو حرة أذن وليها أم لا».
وجاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (3/222-223): «فصل: لا تزوج امرأة نفسها بإذن من وليها ولا دون إذنه (ولا غيرها بوكالة) عن الولي ولا بولاية، (ولا تقبل نكاحا لأحد) بولاية ولا وكالة قطعا لها عن هذا الباب؛ إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء، وعدم ذكره أصلا، وقد قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء} وتقدم حديث: لا نكاح إلا بولي. وروى ابن ماجه حديث: لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها».
وجاء في «الفروع» من كتب الحنابلة (5/175-176): «ويشترط الولي، فلا تزوج نفسها ولا غيرها».

(2) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (5/10-14): «(قال:) رضي الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح، وفي هذا دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوجها فزوجها جاز النكاح وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى سواء كانت بكرا أو ثيبا إذا زوجت نفسها جاز النكاح في ظاهر الرواية سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كفء فالنكاح صحيح إلا أنه إذا لم يكن كفؤا لها فللأولياء حق الاعتراض، وفي رواية الحسن رضي الله عنه إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح، وإن لم يكن كفؤا لها لا يجوز وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا يقول: لا يجوز تزويجها من كفء أو غير كفء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤا جاز النكاح، وإلا فلا ثم رجع فقال: النكاح صحيح سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كفء لها، وذكر الطحاوي قول أبي يوسف رحمهما الله تعالى إن الزوج إن كان كفؤا أمر القاضي الولي بإجازة العقد فإن أجازه جاز، وإن أبى أن يجيزه لم ينفسخ ولكن القاضي يجيزه فيجوز».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة, 18 القضاء

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend