حول نشوز الزوج وكيفية تصرف زوجته معه

فضيلة الدكتور، أرجو أن يتسع وقتك وصدرك لكي أخبرك عن حالي بشيء من التفصيل حتى يتضح لك الأمر جيدًا.
أنا متزوجة منذ عشر سنوات، ورزقني الله بولد يبلغ الآن سبع سنوات. قبل الزواج كنت أتحرى اختيار الزوج الصالح الذي يتقي الله، كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا…»، ولم تكن لديَّ الخبرة الكافية لتفهُّم مدى أهمية التكافؤ، أو بمعنى أصح لم أتفهمه بالمعنى الصحيح.
أما أسرتي فهي أسرة عادية، ولكن بفضل الله هم مُصَلُّون وفيهم خير، ولكن ليسوا بملتزمين جدًّا، وكذلك كان رؤيتهم للزوج المناسب لابنتهم أن يكون رجلًا ذا خلق ودين، القدر المعتاد لدى أغلب الناس، والتكافؤ بالنسبة إليهم في مستوى التعليم.
وعندما جاء زوجي للرؤية الشرعية كان واضحًا أنه إنسان طيب عنده دين وعلى نفس المستوى التعليمي الجامعي، ولكن أمر التكافؤ الاجتماعي والبيئي بيننا لم يكن على خاطرنا جميعًا البتة.
لن أطيل أكثر، المهم أنه بعد الزواج بدأ الاختلاف البيئي والاجتماعي بيننا يتجسد في مشاكل، في البداية كانت من أهل زوجي تُجاهي، في حين أني أُشهد الله لم أكن قط متعالية أو متكبرة أو أشعرهم بهذا الفارق، بل أحاول أن أتبسط معهم، وعفوًا بل أنزل أحيانًا أخرى إلى مستوى حديثهم وكلامهم بما لا يتعارض مع تربيتي، ولكن دون جدوى، ولكن ليس هناك مشاكل بيني وبين زوجي باستثناء ما يُشعله أهله حتى يومنا هذا، والحمد لله وبفضل الله كنت أمتص دائمًا غضب زوجي.
وبعد ستة أشهر من الزواج تعرَّض زوجي لمرض عابر، وعلى أثر حالته الصحية واضطراره لإجراء جراحة، فَقَدَ زوجي عمله بالقطاع الخاص ومكث في البيت عامًا ونصفًا من دون عمل، لم أُشعِره خلالها بأي ضيق، بل كنت دائمًا أُذكِّره بأن رزق الله سيأتي، وأَشُدُّ من أزره.
ثم عمل زوجي بعد ذلك لمدة أربعة أشهر في عملٍ آخر رزقنا الله خلالها بحملي في طفلي، وما أن عَلِمَتْ والدتُه حتى أشعلت المشاكل ونحن صابرون، حتى إنها من كثرة مشاكلها معنا كان زوجي لا يذهب للعمل من سوء حالته النفسية بسببها، حتى سرَّحه صاحب هذا العمل أيضًا، وكنت أُحِسُّ بكسل زوجي وميله للمكوث في البيت، ولكن كنت أخطِّئ نفسي، وكان أهلي في كل هذه الفترات الصعبة لا يبخلون علينا، وكانوا يملئون بيتنا بالطعام، كما قمت ببيع ذهبي ليساعد في ضائقتنا، كل ذلك ولم أُشعِر زوجي بأي ضيق.
ثم اقترضت له قرضًا حسنًا من إحدى قريباتي، وقام بعمل مشروع بعد شهور من النقاش والإقناع بالحسنى والقول اللين، وكان ذلك لقرب موعد ولادتي، ولا أخفي عليك أنني كنت أساعده بأن دَفَعَتْ أمي ثمن اشتراكي بمبلغ كبير في إحدى مدارس التفصيل الغالية وبدأت بعدها في شراء المستلزمات للعمل في البيت، حيث كان زوجي يرفض وقتها عملي خارج البيت، ومهنتي الأساسية مدرسة، ولم يتركني أهلي، حتى زوجة عمي ساعدتني في شراء ماكينة خياطة، وفي ترويج ما أصنعه.
المهم، بعد أن قام زوجي بعمل المشروع فشل، ليس لسوء تصنيعه بل لسوء إدارته وتسويقه، ولم يختلف حالنا كثيرًا عن ذي قبل، ثم قامت أمي بعمل مشروع نسائي أديره لها بجوار بيتي؛ حتى يُدِرَّ دخلًا وتستطيع مساعدتي براتب ثابت لي منه، حيث إن مستوى أهلي المالي فوق المتوسط، ولكنهم لم يدخروا جهدًا في مدِّ يد العون لنا.
عملتُ وسدَّدتُ بعضًا من ديون زوجي بعد أن فشل مشروعه والحمد لله سارت الحياة بمعاناة قليلة، ثم عمل زوجي في مجال مختلف عن مجاله براتب ضعيف جدًّا لا يكفى الإيجار والكهرباء والمياه، ولكنه تمسَّك به لأنه قريب من البيت وفي مكتب يجلس على كمبيوتر، يعني فيه تعب لا يُذكَر، تأكَّد لي خلالها أنه يبحث عن الراحة والنوم، وأنني أنا التي تقوم بكل شيء، ولكن سارت الحياة.
ثم قام زوجي بالعمل بمفرده في الاستيراد للغير، فرزقه الله تعالى رزقًا مباركًا ولله الحمد، وذلك لمدة سنتين فقط، وكان هذا العمل في البيت فقط عن طريق الإنترنت، وقلما ينزل ويذهب ليقابل أحدًا؛ راحة أيضًا، وكأنه فُصِّل ليناسبه.
ثم تعرَّض لعملية نصبٍ أطاحت بأكثر من نصف ما كسب بالرغم من تحذيري له وإخباره بخطأ ما يفعله وأن هذا الأمر نصب، ولكنه لم يستمع إلي، وكان ما كان والحمد لله، ومنذ ذلك الحين ثلاث سنوات وزوجي يعتمد على ما تبقَّى معه من مال وهو ليس بكثير، لينفق بالحرص، فلا هو الذي يُريد أن يعمل كلما جاءت له فرصة للعمل ويتعلل، ولا هو الذي يريد أن يغامر بأي مشروع أو شيء من هذا القبيل.
وفي نفس توقيت خسارته تم تصفية مشروع والدتي بسبب ارتفاع الإيجار الجديد بضعف السابق، وكانت أمي قد تكبدت كثيرًا من الخسارة حتى يستمر لتضمن لي راتبًا ولو على حسابها.
فاضطررت أن أبحث عن عمل ليس فيه اختلاط، وعملت بالفعل ولله الحمد في مكان يبعد عن بيتي كثيرًا، وطبعًا وافق زوجي، فقد كانت بدأت المشاكل تدبُّ بيننا بسبب المصاريف، في حين أني لا أناقشه فيما يُعطيني إياه وأُصرِّف البيت به بكل الطرق.
وهو لا يريد أن يصرف حتى لا ينفد ما معه، وأنا أحاول أن أساعد في مصاريف مدرسة ابني، وكذلك في توفير بعض الأساسيات التي يعتبرها زوجي ثانويات، لكي أوفر لابني حياة كريمة كما تربيت أنا حتى هذا القدر.
هذا شرح لحالنا، أما المشكلة التي أريد أن تنصحني فيها فضيلتك: منذ أن تزوَّجت حتى الآن لم يُنفق عليَّ زوجي سوى الطعام، ومرتين فقط في العشر الأعوام كساني في العيد، ولم تكن كسوة كاملة، بل شارك ببعض ثمن الكسوة معي، وأقصد بالكسوة هنا ملحفة ونقابًا وحذاء فقط، وحجته أنه أنفق عليَّ كثيرًا لكي أحمل بعد ابني الأول، ولم أحمل.
في حين أن المشكلة عندي فقط ضعف تبويض بسبب التكيسات، بمجرد أخذ المنشطات ينشط التبويض جدًّا بفضل الله، وهذا كلام الأطباء، وحسب كلامهم أن المشكلة عند زوجي، وأننا يجب أن نحمد الله أن رزقنا بطفل، فمع العلاج تتحسن حالته ولكن سرعان ما ينخفض العدد بسرعة، حتى إن أحد أطباء الذكورة نصحه بعدم أخذي لمنشطات؛ لأن المشكلة عنده، وأن نلجأ لأطفال الأنابيب، وهذا كله طبعًا رزق والرزق بيد الله.
وبالرغم من ذلك فهو لا يعترف بذلك، بل ويتهمني بأن المشكلة عندي، وأني عقيم بالرغم من إنجابي لطفل بفضل الله تعالى، وكلما يسمع بأن أحدًا أنجب يكون ذلك اليوم يومًا عصيبًا من سوء ما أسمع منه ومعايرته لي بذلك، بل أَسْوء من ذلك، فزوجي يعايرني ويُسمعني كلامًا يكاد يقتلني، مثل أنني مشعرة نتيجة اضطراب الهرمونات عندي بسبب التكيسات، مع أني أعمل على إزالته باستمرار، وبأن أحدًا لن ينظر إليَّ، ويبدأ من أقصى رأسي حتى أدنى رجلي، والله فضيلتكم كما أقول وبدون مبالغة ليسرد عيوبي وكأنه ليس بي قِيد أنملة من جمال، مع أني ولله الفضل والمنة جميلة بحسَب كلام كل من حولي، حتى زوجي نفسه في مرات معدودة يصرح لي بذلك ولكن بحذر، وكأنه يخشى أن يعترف بذلك، ولكنه ينكر ذلك تمامًا عندما أتجرأ في أي وقت وأستفزه بحسب قوله، وهذا الاستفزاز أن أدافع عن نفسي وأُبرِّر له أي فعل ينكره، يسألني مثلًا: لماذا وضعتِ ذلك هنا؟ أي شيء مهما كان بسيطًا، لو شرحت له فهذا بداية الاستفزاز وإذا اعتذرت يرد: «يعنى إيه آسفة؟!»، والحمد لله أتقي الله وأرجع كل أمري لله تعالى ورسوله.
ولا يوجد بيننا مشاكل في العلاقة الخاصة، بل على العكس وكزوجة بفضل الله منظمة جدًّا ونظيفة جدًّا، ودءوبة على العمل ونشيطة ومطيعة لزوجي، لم أعصِ له أمرًا قط طيلة زواجنا، حتى لو لم أرغب فيه، وأهتم بنظافتي الشخصية جدًّا، حتى إنه يقول إني مريضة بالنظافة، وأهتم بالتزين وحسن التبعل باستمرار، وإذا حدثت أية مشكلة بيننا كبيرة كانت أو صغيرة حتى لو لم أكن مخطئة لا أتركه حتى ساعة واحدة، بل أذهب إليه وأُقبِّل بَدْءًا من الرأس ثم اليدين، والله الذي لا إله إلا هو، وأقبل القدمين والله، وأحيانًا إصبعًا إصبعًا حتى يرضى لله تعالى، فلا أرى أني أستحق منه كل ذلك.
وكنت في البداية كل شهر عندما يأتي الحيض يجلس أمامي يوبخني ويقتلني بكلامه: «أنا زهقت منك، أنتِ قرفتيني وزهقتيني، كل النساء بتحمل على طول إلا أنتِ من ساعة متجوزتك وأنت تعباني في حملك، أنتِ عقيم وعمرك ما هتشوفي خلفة تاني، وأنا إيه اللي يخليني أتحملك، ما أنا أروح أتجوز».
كنت لا أتعدى الكرسي الذي أجلس عليه، أنظر إليه ودموعي تنهمر من عيني، ولا أفتح فمي بكلمة واحدة، ظللت هكذا لمدة ثمانية أشهر، ثم بدأت بعد ذلك أتجنَّب الكلام معه في أول الحيض حتى أتفادى كلامه، ولكن بلا فائدة، حتى إني كنت منهارة وأُصبت بأمراض وأعراض نتيجة حالتي النفسية.
بعدها بدأت أدفع الظلم عن نفسي بطيب القول، بأن هذا قدر الله، وأن سعادة المرء في الرضا بالقضاء، وأنه يجب أن نشكر الله على النعمة، وأنه رزقنا بذرية وما حرمنا، وأنه رُبَّ ولدٍ خير من عشرة، فكان يزيده كلامي عصبية واتهامًا لي.
بعد فترة بدأت أرد عليه بأني لست المشكلة الرئيسية في هذا، وأنه هو المشكلة، وذلك بعدما بدأ يطالبني بأن أتحمل أنا نفقات العلاج وأطفال الأنابيب، وأن أهلي يجب أن يدفعوها لي؛ لأن المشكلة في ابنتهم. فثار وانفجر بأفظع الكلمات، كأنه هو المُصرَّح له أن يجرح فيَّ ويقتلني ويؤذيني بكلامه، وأنا عندما أُلـمِّح له بأنه لديه مشكلة أكون قد أذنبت.
وبدأ يضغط عليَّ بالمشاكل، ويطالبني أن أتحمل الإنفاق على نفسي، ولو احتجت للطبيب أو أي علاج لأي مرض عارض لا يُحضره لي؛ لأني أعمل وعلى حساب وقت بيته، في حين أني منذ ست سنوات ونصف وأنا أعمل ولم أدخر شيئًا لنفسي ولم أشترِ ذهبًا أو شيئًا من هذا القبيل، كل ما يرزقني الله به من عملي أو من أهلي أضعه في البيت، حتى إنني أشتري له ملابسه واحتياجاته الشخصية، فهو لا يدفع لها.
فالآن أنا أتذكر كل ما مضى وكأني لم أكن أراه إلا هذه الأيام، أو بمعنى آخر لم أكن أريد أن أرى عيوب زوجي، بل كنت أختلق له أعذارًا واهية.
الآن لا أستطيع، أراه شخصية سوداوية جدًّا، وهو يعترف بذلك، ولا ينظر إلا إلى المساوي وإن قَلَّت ولا يلتفت إلى المحاسن وإن كثرت، أو أنه لا يريد أن يعترف بها، لماذا؟ لا أعرف.
كثيرون ممن يعرفونني يقولون: هناك فرق شاسع بينك وبينه، فليس هناك تكافؤ بينكما. ولكنني أقول: هذا نصيبي في الدنيا.
فبيئته وتربيته تختلف عني جدًّا، وهذا أجده في ألفاظ وتصرفات كثيرة، وحتى هو ينتقد كلامي، فمثلًا إذا صدر منه أي لفظ غير لائق لي وقلت له: «يا حبيبي عيب كده، ما يصحش تقول الكلام ده، أرجوك بلاش تؤذيني بالكلام ده»، يعني أنا لا أجد شيئًا في كلامي هذا، لكنه يرد عليَّ: «يا سلام، أنت فاكره نفسك بنت مين، بنت باشا!». وكأني أهنته، أو كأني أتكلم بطريقة متعجرفة عذرًا، في كل حديثه أجد السفاهة والسطحية، بل وأجده مريضًا نفسيًّا، هذا بجانب أنه ورث عن أهله المن والمعايرة دائمًا والكسل وعدم مراعاة مشاعر الآخرين ونظرته إلى زوجته بأنها يجب أن تتحمل إهانته لها ولمشاعرها، مبررًا ذلك بقوله:«أنت شوفتي إيه؟ غيرك بينضرب ويتشتم ويسكت، أنا أمي كانت بتنضرب دماغها في الحيطة وتجرجر من شعرها وتتسب وتتشتم، لكن أنت بنت الباشا، إزاي أهينك؟ مش متحملة إهانة».
هذه حالهم، بل أسوء من ذلك، أنا لم أُرَبَّ في ذلك البيت، أنا تربيت في بيت عاديٍّ ولكن لم نسمع أبانا قط يتلفظ بلفظ جارح لأمي أو يعاملها معاملة سيئة أبدًا، ولم نتربَّ على أن نهان أو نؤذى هكذا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وبالرغم من ذلك فأنا لا أحب المشاكل والخصام أبدًا، فهل أنا السبب لأني تهاونت في حقي فهنت عليه؟ لأنني لم أخبر أهلي ولم أُصعِّد الأمور وتكتمت على معاملته؟
وإن كنت لا أقول إنه هكذا طوال اليوم، بل كثيرًا ما يكون لطيفًا وطيبًا، وأحيانًا يكون حنونًا مع تحفظي على (حنونًا)، لكنه متقلب المزاج، يضع الأمور على غير وضعها.
والآن هو يهدد بين الحين والحين إذا لم أدفع معه تكاليف الحقن المجهري، وتحت ضغط المشاكل رضخت له وقلت له: إني سأدخر ثلثي راتبي لمدة عام حتى أوفر نصف تكاليف الحقن المجهري ويدفع هو الباقي. مع أنه حتى الآن بلا عمل، فهل أنا على صواب بهذا العمل، أم أنني أزيد نفسي ظلمًا؟ ثم ما أدراني قد لا يكون لي رزق في هذه العملية وبعد ذلك يذهب ويتزوج أخرى؟
ليست المشكلة في الزواج بأخرى، بل أحيانًا أفكر أن يتزوج حتى يعرف أنه في نعمة لم يؤدِّ حق شكرها، المشكلة أن رجلًا بهذه الحال كما شرحت ماذا عساه أن يقول لي ويفعل بي إن تزوج بأخرى؟ أتخيل أنه سيقارنني بها ويمزقني بكلامه كل حين؟
وماذا سيفعل بالمصاريف؟ إنه لم يتعود أن يُنفق عليَّ، حتى ابنه بالكاد يدفع أشياء وأشياء يلقيها على عاتقي، أنا منهارة وأكاد أُجَنُّ، ماذا أفعل؟ وما الصواب حتى أستطيع العيش بسلام مع زوجي من دون تحطيم وتشريد أسرتنا؟ بالرغم من كل ما ذكرته فأنا أحب زوجي لأنه أول رجل في حياتي كلها، وإن كان هذا الحب يلفظ أنفاسه الأخيرة فكيف أنقذه؟ كيف أحافظ على ما تبقى لي من مشاعر بعد أن مزَّقها؟ عذرًا على الإطالة وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يكتب لك يا بنيتي ثواب الصابرين، وأن يرزقك شفاعة سيد المرسلين، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
واعلمي يا بنيتي أنه «مَا يُصِيبُ الْـمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ؛ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا- إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». ومن عباد الله من تكون قد سبقت له من الله الحسنى، وكتب الله له منزلة في الجنة لا يبلغها بعمله، ولكن يبلغها بصبره على ما يُصيبه من البلاء والمحنة، وقد صح أنه: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟! هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لاَ وَالله يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْـجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْـجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟! هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لاَ وَالله يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ»(1).
فاصبري يا أمة الله، واعلمي أنه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
تشتكين سوء خلق زوجك واستطالته عليك بغير الحق، وللحياة الزوجية طريقان لا ثالث لهما: الإمساك بالمعروف، أو التسريح بإحسان، ومَن عجز عن الإمساك بمعروف فهو معذور عندما يُلجَأ إلى الخيار الآخر، ولكنني ألتقط من حديثك قولك: إنك تحبين زوجك لأنه أول رجل في حياتك، وقولك: إنه كثيرًا ما يكون لطيفًا وطيبًا، وأحيانًا يكون حنونًا.
وأود أن أقول: ما ضرَّك لو أقبلت على عبادتك لربك، واستصلاح ما وهن من علاقتك به عز وجل ، وأدَّيت إلى زوجك حقه، وسألت الله حقك، تمامًا كما نتعامل مع أئمة الجور: أَدُّوا لهم حَقَّهُم، وسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ(2). فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ(3)، وأخذت منه ما تيسر، وراوحت في معاملتك معه ما بين المداراة والصمت، والنصيحة الهادئة والنظرة العاتبة، واكتفيت بدور الأب بالنسبة للولد، والحارس بالنسبة للبيت، واتخذت من صبرك عليه سبيلًا إلى ربك، إن قدرت على ذلك فطوبى لك.
وأبشري إن شاء الله برَوْح وريحان ورب غير غضبان، وإن عجزت عن ذلك ففي طلب المفارقة مندوحة، وفي سعيك للطلاق عذر، وقد قال ربي جل وعلا: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: 130]، وإن كنت أحب لك الخيار الأول وأحثك عليه، وأرجو مع الإلحاح على الله في الدعاء وصدق الضراعة بين يديه، أن يبدل الله أحوال هذا الزوج الناشز، وأن يرده الله إليه ردًّا جميلًا، فإن نظرةً من عينِ لطفه جل وعلا تجعل الكافر وليًّا، وقد ورد أن المَهْديَّ المنتظر يُصلحه الله في ليلة.
استخيري الله في هذا الخيار أو ذاك، ونسأل الله أن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة، والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «صفة القيامة والجنة والنار» باب «صبغ أنعم أهل الدنيا في النار وصبغ أشدهم بؤسًا في الجنة» حديث (2807) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «علامات النبوة في الإسلام» حديث (3603)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول» حديث (1843).

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق» حديث (1846) من حديث أبي هنيدة وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend